كان قد اغتاظ الكثير من المواطنين الجزائريين وخاصة المتتبعين للشأن السياسي والإعلامي من الكلمة التي ألقاها بالعاصمة القطرية الدوحة بمناسبة قمة جامعة الدول العربية، عبد المالك سلال الوزير الأول في الحكومة الجزائرية بالنيابة عن رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة الذي يكون قد قاطع قمة الدوحة وليس غاب عنها لأسباب صحية! لم يكن استياء الجزائريين من المواقف الرسمية التي ما انفكت تبديها الحكومة الجزائرية من مختلف القضايا الدولية وخاصة ما يتعلق منها بالاضطرابات التي شهدتها بعض العواصم العربية خاصة تونس والقاهرة وطرابلس ودمشق، حيث تمسكت بمبادئ سياستها الخارجية المتمثلة في حسن الجوار والحفاظ على الوحدة الترابية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وحق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها والسعي إلى حل النزاعات بالحوار والسلم والمصالحة! على الرغم من أن هذه المواقف الثابتة للجزائر قد تسببت لها في الكثير من المشاكل على المستوى الداخلي وخاصة على المستوى الخارجي من قبل العديد من العواصم العربية التي عصفت بها ثورات الربيع العربي! لقد اغتاظ الجزائريون من اللغة التي كان يتحدث بها معالي الوزير الجزائري الأول أمام أصحاب الجلالة والفخامة من الملوك والرؤساء العرب من العرب العاربة والعرب المستعربة! من الذين يضاهون بخطبهم أكثم بن صيفي خطيب قبيلة تميم أو قس بن ساعدة خطيب قبيلة إياد في الزمن الجاهلي! ذلك أن اللغة هي التي تحمل الموقف وتعبر عنه بالألفاظ والعبارات، حيث يؤكد الكثير من علماء النفس اللغوي أنه لا يوجد فكر بدون لغة! وعليه فإن عبد المالك سلال يكون قد أكد صحة هذه النظرية اللسانية حيث أنه لم يعبّر عن أي موقف سياسي مادام لم يكن يتكلم بأية لغة! وبكل صراحة، لقد أعجبتني كلمة رئيس الحكومة الجزائرية في قمة الدولة العربية بالعاصمة القطرية بسبب تلك الأخطاء الإملائية والنحوية واللغوية لأن عبد المالك سلال قد كان يتحدث أمام شرذمة! ولقد كاد يُخيّل إليّ أن الجزائر التي يشكك الأعراب في عروبتها قد أرادت أن تنتقم من هؤلاء الأعراب بانتهاك اللغة العربية أمام الأعراب الذين لا يحسنون الحديث باللغة العربية ويزايدون على الجزائريين على الرغم من أن اللهجة الجزائرية هي الأقرب إلى اللغة العربية من كل اللهجات العربية! لقد كانت كلمة في القمة أمام الشرذمة بالقمة! وكيف لا تتحول جامعة الدول العربية إلى شرذمة بعدما أصبح الملوك والرؤساء العرب لا يلتقون أو يجتمعون إلا من أجل الإطاحة بعضهم البعض مثلما أصبح يفعل أنبياء الديمقراطية الجدد مع المعارضين للحكام العرب الدكتاتوريين خاصة الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي والرئيس السوري بشار الأسد ومن قبلُ الرئيس العراقي الشهيد صدام حسين الذي فتح القائمة حيث قال للحكام العرب: أنا سوف تعدمني أمريكا أما أنتم فسوف تعدمكم شعوبكم! كانت جامعة الدول العربية قد تآمرت على القضية الفلسطينية أكثر من مرة بل إن الرئيس الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات قد دفع حياته ثمن هذا التآمر العربي المخزي. بل إن القضية الفلسطينية لم تعد قضية مقاومة وإنما قد أصبحت صفقة مقاولة من خلال صناديق المساعدات المادية التي أصبح الأمراء المتآمرون يعلنون عنها على هامش كل قمة عربية حيث تقهقرت فلسطين وأصبحت ضمن المتفرقات ويشار إليها في الختام على هامش جدول الأعمال. وقد أصبح من السفالة أن يقوم الأمراء المتآمرون بتسليح فصائل المعارضة العربية من أجل تحرير الشعوب العربية الحرة ولا تقوم بتسليح الفصائل الفلسطينية من أجل تحرير الشعب الفلسطيني المحتل من طرف قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي. لقد كان من الطبيعي أن يغيب رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة عن قمة جامعة الدول العربية، وهو الذي دأب على الحضور في الكثير من القمم العربية التي لم يكن يتغيب عن مواعيدها الهامة! مادامت جامعة الدول العربية قد تحولت إلى محكمة لتصفية الحسابات الشخصية بين الحكام العرب الذين قد أصبح كل واحد منهم يقول في قرارة نفسه: على من يكون الدور القادم؟! هل كان يجب على الجزائر أن تنسحب من الجامعة العربية! لتمنح قطرائيل مقعدها إسرائيل! إن الجزائر كانت قد انسحبت من زمان وكأنها قد تحولت إلى عضو ملاحظ حيث يشبه وضعها وضع الدولة الفلسطينية في هيئة الأممالمتحدة. والله زمان! ذلك الزمن الذي أدخلت فيه الجزائر ياسر عرفات إلى الأممالمتحدة حيث استقبل استقبال الرؤساء الكبار على وقع التصفيقات الحارة بينما خرج منها ممثل الكيان الإسرائيلي مذموما مدحورا! إبراهيم قارعلي