ماذا عسانا ان نقول بعد ما حدث ويحدث دائما في بلادنا العربية والاسلامية من عدوان واعتداءات متكررة تارة باسم امريكا وحروبها الاستباقية ومحكافة الإرهاب وتارة باسم إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها ومحاربة الإرهاب الدولي الذي تقوم به الجماعات المقاومة في فلسطين او لبنان. ألم يعد السكوت محرما وغير مقبول من قبل كل من مازال ضميره حيا و عقله فطنا وواعيا بعد كل تلك المشاهد المتكررة منذ زمن طويل ( فالقاعدة الإدراكية تقول أن المثير المتكرر على مستوى الانتباه يثبت في الذاكرة أكثر من المثير الذي لا يتكرر). كم من مرة تم إستغبائنا واستغباء الرأي العالمي في مؤسسات دولية وجدت لتدافع عن السلام العالمي وعن حقوق الانسان، وعلى مستوى وسائل الإعلام المتنوعة من خلال اللعب على المفاهيم والمفردات والمصطلحات والقيم. ألم يؤكد لنا المشهد الحالي المعاش خلال العدوان الاسرائيلي على الفلسطينيين ومواقف الدول الغربية المنسجمة والمتجانسة مع كل قرارات العدوان الاغتيال والتدمير بضرورة رفع أصواتنا عاليا ليسمعنا كل من لا يسمع أولا يريد أن يسمع، بأن الأمن العالمي تهدده الصهويونية الغربيةوالأمريكية والاسرائيلية، بسكوتهم وتواطؤهم المريب. مقارنة بمواقفهم وقراراتهم وحملاتهم الاعلامية المتشددة ضد الدول العربية والإسلامية في مواجهتها للحركات الانفصالية والارهابية كما هو بالنسبة لأحداث السودان والجزائر وسوريا وغيرها؟ بل كل هؤلاء يعتبرون ويعرفون مجازر إسرائيل وقنابلها التدميرية لكل عناصر الحياة، على أنها عبارة عن أعمال دفاعية عن النفس وما يقوم به الفلسطينيون هو إرهابا وهمجية. والغريب في الأمر أن كل الدول الغربية اتخذت نفس الموقف واستعملت نفس العبارات والمفردات (إنها قمة الوحدة و التجانس الفكري و الاستراتيجي عندما يتعلق الأمر بقتل العرب والمسلمين) ولم تتحرك فيهم لا مشاعر الإنسانية ولا ثارت ثائرتهم ضد مبادئ حقوق الإنسان وحق الطفل الفلسطيني في الحياة ، بل كان خوفهم وحيرتهم على الشعب الإسرائيلي فقط. أما دون ذلك يعتبرونه قتلا مشروعا ومجازر مباحة ومسموحة دوليا (حسب قناعاتهم الباطنية في لا وعيهم الحضاري) مادامت المؤسسات الأممية تحت تصرفهم ولخدمة أجنداتهم (لأن الفلسطينيين، يعتبر عندهم شعبا يستحق الموت والدمار حسب ما نلتمسه و نقرأه في مواقفهم وتصريحاتهم الدالة على لا وعيهم الحضاري ونظرتهم إلى الشعوب الأخرى). لقد أصبحنا نعيش في زمان استأسد فيه الغرب الصهويو امريكي على كل شيء حتى في تسمية الأشياء وتعريف المفاهيم وعلى حساب كرامتنا ومبائدنا الإنسانية. لقد استطاع بتكنولوجيته الإعلامية والمعلوماتية والدبلوماسية أن يُقولب إدراكاتنا للمفاهيم والمبادئ كما يشاء، حتى استطاع أن يجعل من المجرم الاسرائيلي ضحية و من الضحية الفلسطيني مجرما. واستطاع أن يتدخل في بنيتنا المعرفية ويغير من قاعدة بياناتنا الثقافية والمفاهيمية التي توجه سلوكاتنا، فحول مفهوم الجهاد وضوابطه من جهاد ضد الكفار والمعتدين والمُحتلين إلى جهاد ضد المسلمين ضد بعضهم البعض. واستطاع أن يجعل من مفهوم المقاومة ضد الاحتلال والاستعمار إرهابا، ومعنى إرهاب وهمجية الدول الاستعمارية دفاعا عن النفس وفرض سيادة ومكافحة للارهاب قناعا. واستطاع أن يبرمج الحماسة والتشدد في نفوس المسؤولين العرب والمسلمين ومنظماتهم وبعض قواهم السياسية لاتخاذ قرارات وإجراءات صارمة وحازمة ضد بعضهم البعض يطلبون فيها المؤسسات الدولية ومجلس الأمن بالتدخل العسكري والحصار الاقتصادي والدبلوماسي لإسقاط الأنظمة القائمة التي لا تنخرط معهم في استراتيجياتهم والتي تخالفهم في النظرة للأمور بدعوى أنها مستبدة رغم أن الاستبداد لا يخلو منه أي نظام عربي قائم. في الوقت نفسه يبرمجونهم على السكوت واستنساخ التنديد بالبرودة والخوف والرعب من لوم وعتاب إسرائيل على جرائمها، ليدركونها وكأنها عمليات جراحية طبيعية ضد مشاغبين فلسطينيين يزعجون الإسرائيليين في نومهم وسلامهم. بل أكثر من ذلك نجد أن المسؤولين العرب قد تلقوا تدريبا سلوكيا معرفيا على إلقاء اللوم على المقاومين الفلسطينيين وإدراكهم على أنهم مغامرين وحمقى لا يعرفون التصرف مع دول متحضرة بالقنابل العنقودية والطائرات المدمرة والصواريخ الفتاكة والاغتيالات النظيفة. واستطاع أن يحول مشاعر الكراهية والحقد من كراهية أمريكا وإسرائيل والغرب باعتبارها دولا استعمارية واستكبارية تمارس الإجرام و البطش بالشعوب الأخرى، وباعتبارها غير متسامحة ولا رحيمة مع كل من يحاول أن ينافسها أو يتعامل معهم الند بالند، إلى كراهية المسلمين لبعضهم البعض بين المذاهب والأحزاب و الديانات، وبين القوميات والأقليات، وبين الدول نفسها.... واستطاع بدبلوماسيته وإعلامه وغسيله الدماغي والاستخباراتي أن يجعل المسؤولين العرب والمسلمين يوظفون أموالهم في شراء كل أنواع الأسلحة الفتاكة لجماعات (يصنفها في مناطق إرهابية وفي مناطق أخرى تحررية حسب المعايير التي تخدمه) تقاتل بالنيابة عنه لتحقيق مشاريعه الاستعمارية والتوسعية، ويمنع على هؤلاء (الحكام العرب والمسلمين) حتى التفكير في تقديم مساعدات إنسانية أو التجرؤ بالكلام عن فك الحصار عن الفلسطينيين والمساهمة في توحيدهم، أما إرسال السلاح وكل عناصر القوة العسكرية فهي من الكبائر التي لا يغفرها الأمريكيين والغربيين والإسرائيليين. واستطاع الغرب الصهيو أمريكي أن يجعل من قيمة الحوار والمفاوضات والتسامح والتصالح بين العرب والمسلمين فيما بينهم حول ما اختلفوا فيه، بأنها استسلاما للأخر ويصنفها لهم بأنها من المحرمات ومن الخطوط الحمر التي لا يجرؤ عليها أي احد على السعي نحو ذلك.[ للتذكير فقط (ألم يقل نتانياهو لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عليك أن تختار بين المصالحة مع حماس وبين قبول المفاوضات)؟ ألم تقل وزيرة الخارجية الأمريكية للمعارض السورية انه لا مفاوضات ولا حوار مع النظام السوري؟) إنها قمة الإهانة التي وصلت إليه معاملة الغربيون لمسؤولينا العرب. في الوقت نفسه، نجد هذا الغرب نفسه يضغط وينصح ويمنع بكل الوسائل، وفي نفس الوقت يبرمج عقول المسؤولين العرب والمسلمين بضرورة منع الفلسطينيين من استعمال السلاح أو دعمه بأي نوع منها و تجريم المقاومة المسلحة بتصنيفه كل حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية بأنها منظمات إرهابية، و منع حتى المقاومة السلمية كالانتفاضة الشعبية(كما صرح بذلك رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس للتلفزيون الإسرائيلي في 02 نوفمبر 2012 والتي قال فيها "إنه لن يسمح بانتفاضة ثالثة طالما بقي في منصبه"، ويعتبر كل ذلك في قاموسه السياسي إرهابا وجريمة حرب ضد الإنسانية، ليثبت في ذاكرتيهم المركزية وفي الذاكرة النشطة أهمية وضرورة المفاوضات كخيار وحيد واستراتيجي و يشجعهم على ذلك بكل الوسائل السياسية والمالية والدبلوماسية، وفي نفس الوقت يبرمج في نفوسهم الحساسية والاندفاعية لمفاهيم المقاومة بكل أشكالها السلمية والمسحة لرد العدوان. بل أكثر من ذلك نجد الغرب يمول علنا وسريا وسائل إعلامية عربية و ومثقفين و كتاب وصحفيين لتمييع هذه المفاهيم وتشويهها والتقليل من أهميتها في نفس الشعوب العربية والاسلامية. بل استطاع الغرب الصهويو أمريكي أن يبرمج عقول الكثير من حكام العرب والمسلمين ودبلوماسييهم ليدركوا المقامة الفلسطينية على أنها شر لهم و مصدرا لأزمة الشرق الوسط بدل اعتبار إسرائيل هي مصدر الشر لكل العالم. واستطاع الغرب أيضا أن يعيد برمجة عقول الكثير من الأنظمة العربية ليدركوا ان إيران عدوة لهم وإسرائي وأمريكا ودول الغرب صديقة لهم. واستطاع أيضا بحروبه النفسية من خلال صناعة فوبيا السلاح النووي الايراني أن يدفع العرب في منطقة الخليج إلى عقد صفقات لشراء الأسلحة (التسابق نحو التسلح) بمبالغ باهضة وتحت شروط يمنع من خلالها استعمالها لا ضد الأمريكان ولا ضد إسرائيل، لتحقيق مصالحه الاستراتيجية المتعددة، مثل تحويل أموال هذه الدول من تمويل لمشاريع للتنمية الشاملة إلى برامج للتسلح لاستنزاف احتياطاتها المالية من جهة. وإنقاذ صناعاته الحربية من الإفلاس من جهة اخرى، ومن ثم إنعاش اقتصاده المنهار بسبب الأزمة المالية التي يتخبط فيها. مع العلم أن شعوب هذه الدول تعيش في فقر و في أزمات متعددة، مع العلم أن سكان فلسطين وبشكل خاص سكان غزة لا يدفع لهم أي شيء من الدعم ليحافظوا على حقهم في الحياة. إنه قمة الذكاء الغربي وعقلية الإنسان القوي الذي استطاع التلاعب بعقولنا و إدراكاتنا للمفاهيم والتصورات ويوظفها ضدنا وضد مصالحنا وفي نفس الوقت ينهك طاقاتنا وأموالنا بمعارك وهمية مصطنعة الرابح فينا خاسر. ليبقى هو الرابح الأكبر في كل الحالات ، هو المهيمن والمسيطر الذي يفرض وجوده وشروطه علينا كما يشاء. فماذا لو مارسنا ولو لأول مرة في حياتنا حريتنا واستقلاليتنا اتخذنا بعض المواقف الرجولية والجريئة التي تتناسب و موروثنا التاريخي وعمقنا الحضاري، وتتناسب وحجم العدوان والهمجية التي تمارس علينا عبر عقود من الزمن حتى نحول جهودنا من التدمير الذاتي من خلال الحروب الوهمية التي تصنع لنا من قبل غيرنا إلى صد للعدوان و بناء لإستراتيجية الردع الحضاري من اجل فرض الوجود والمكانة بين الأمم الأخرى مثلا: ماذا لو أفتى كل العلماء المسلمين في كل مناطق العالم بوجوب الجهاد في فلسطين؟ و قررت الدول العربية باتخاذ قرارات تطالب مجلس الأمن بالتدخل العسكري ضد إسرائيل؟ أو يتخذ قرارات عقابية ضدها تدرج ضمن الفصل السابع؟ أو قرروا بمنع بث القنوات العبرية وشوشوا عليها و جندوا كل وسائل الإعلام لتدعيم القضية و المقاومة الفلسطينية؟ وماذا لو أرسل العرب والمسملين مقاتلين من كل دول العربية والإسلامية ومن كل العالم وحولوا المرتزقة الموجهين إلى سوريا ليدخلوا عبر الجولان، وأرسلوا السلاح إلى الفلسطيننين، وعقدوا اجتماعات ومؤتمرات لأصدقاء فلسطين، وقاطعوا إسرائل دبلوماسيا واقتصاديا وحاصروها عسكريا، وكونوا منطقة عازلة لمنع الطيران الاسرائيلي من قصف المدنيين والبنية التحتية للمدن الفلسطينية، و اتخذوا قرارات أخرى ضد كل من يساند إسرائيل من دول غربية بكل الأشكال ماذا سيحدث يا ترى؟ إنه مجرد تساؤل، ليجيب عنه العقلاء والمختصين النفسانيين والاجتماعيين والسياسيين والاستراتيجيين، حتى لا يصمتوا أمام الهمجية الغربية والإسرائلية. الدكتور خالد عبد السلام قسم علم النفس جامعة سطيف/ الجزائر.