دفعت التصعيدات الأمنية الحكومية ضد عناصر تنظيم القاعدة والإجراءات الأمنية المشددة المتعاقبة في اليمن خلال الأيام القليلة الماضية إلى منعطف جديد من (الأزمة الأمنية) غير المسبوقة، التي ألقت بظلالها لقاتمة بشكل مباشر على المواطنين وعلى الاقتصاد اليمني عموما. أعلنت السلطات الأمنية اليمنية أمس قرارا بإلغاء منح تأشيرات الدخول من المطارات الدولية في اليمن لمواطني الدول الغربية وفي مقدمتهم مواطنو الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية وكذلك مواطنو أستراليا واليابان، بمبررات الحيلولة دون تسلل أي عناصر إرهابية يحملون جوازات هذه الدول إلى الأراضي اليمنية تحت غطاء السياحة. وسبق هذا القرار بيوم واحد تعليق رحلات الطيران الجوية المباشرة من اليمن إلى بريطانيا ل(أسباب أمنية) وفقا للسفير البريطاني بصنعاء تيم تورلوت، الذي أوضح أن قرار تعليق الرحلات الجوية بين صنعاء ولندن جاء بعد دراسة فريق أمني بريطاني لإجراءات السلامة الجوية في مطار صنعاء، والذي على ضوئه اتخذ هذا القرار من الجانب البريطاني بالتوافق مع الجانب اليمني. وقبل هذا وذاك ارتفعت حدة الإجراءات الأمنية إلى أقصى مستوياتها في اليمن تحسبا لأي عمليات إرهابية ضد المصالح الغربية واليمنية على حد سواء، إثر تنفيذ السلطات اليمنية العديد من العمليات الأمنية والغارات الجوية ضد مواقع محتملة لعناصر تنظيم القاعدة في محافظات أبين، شبوة، صنعاء، صعدة، الجوف ومأرب، خلال الخمسة اسابيع الماضية. وكانت هذه العمليات الأمنية اليمنية المكثفة بمثابة ردة فعل على نجاح تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في محاولة تفجير الطائرة الأمريكية المتجهة إلى ديترويت عشية عيد الميلاد، عبر الشاب النيجيري المسلم عمر الفاروق عبد المطلب، والذي كان يدرس اللغة العربية في اليمن قبيل تنفيذ عمليته الجريئة التي أثارت (رعب) العالم الغربي وبالذات الأجهزة الأمنية فيه. اليمن وتحت ضغوط الأجهزة الاستخبارية الغربية رضخ لكافة المطالب الدولية حيال مكافحة الإرهاب وقام إثر ذلك بتنفيذ عمليات عسكرية غير مسبوقة ضد مواقع محتملة لعناصر القاعدة، مستخدما لذلك طائرات وأسلحة ثقيلة في محاولة منه لإحداث أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف تنظيم القاعدة، كما يسعى من خلال ذلك إرضاء الدول الغربية الداعمة لجهوده في حربه ضد الإرهاب كأحد الشركاء الرئيسيين للغرب في ذلك، مقابل حصول اليمن على دعم مادي وتقني. ولعبت صنعاء لعبة سياسية حرجة مع الغرب عبر (بوابة الإرهاب)، وفقا للعديد من المراقبين، بحثا عن مصدر للدعم الخارجي، واستثمرت حربها ضد الإرهاب إلى أقصى درجة، بدءا بفتح قنوات اتصال دبلوماسية مباشرة بين صنعاء وواشنطن، مرورا بتمويل إنشاء العديد من الأجهزة الأمنية، كخفر السواحل وقوات مكافحة الإرهاب وشبكات الحوسبة الأمنية، وليس أخيرا التقاط الفرصة إلى لفت أنظار العالم للوضع الأمني الخطر في اليمن، في ظل التهديدات الإرهابية المتكررة من قبل تنظيم القاعدة ضد المصالح الغربية كما اليمنية. هذه المعطيات مجتمعة دفعت بلندن وواشنطن إلى اتخاذ قرار بشأن عقد مؤتمر حول اليمن في لندن في 27 الشهر الجاري، كما اقترحت ألمانيا إنشاء صندوق تمويل باسم أصدقاء اليمن، وذلك لاحتواء الوضع المتهالك في اليمن والمترابط بين الوضع الأمني والاقتصادي والسياسي. وكان السفير البريطاني بصنعاء تيم تورلوت كشف أن برنامج الإصلاحات السياسية في اليمن سيكون في مقدمة اجندة مؤتمر لندن حول اليمن والذي سيخصص لبحث التحديات الأمنية التي تواجه اليمن. وقال 'إن مضامين مؤتمر لندن ستتركز حول ثلاثة محاور أساسية هي تحليل مشترك عن التحديات التي يواجهها اليمن، إعطاء زخم أكبر لبرنامج الاصلاحات السياسية والاقتصادية في اليمن، بالإضافة إلى تطوير التنسيق الدولي حيال الدعم لليمن'. وتوقع خبير اقتصادي ل'القدس العربي' أن يشهد اليمن (أزمة اقتصادية) حادة خلال الفترة المقبلة على ضوء هذه الإجراءات الأمنية المتصاعدة والسمعة (السيئة الصيت) للوضع الأمني في البلاد وللمواطن اليمني الذي أصبح متهما ب(الارهاب) بكل الأحوال في مطارات العالم وفقا للإجراءات الأمنية الغربية ضد المسافر اليمني. وأشار إلى أن مؤشرات الأزمة الاقتصادية اليمنية بدأت ملامحها تتضح في الأفق خلال الأيام القليلة الماضية، عبر تدهور سعر الصرف للعملة اليمنية أمام العملات الأجنبية إلى أدنى مستوى لها في تاريخها.