ولد الفضيل بن محمد حسين الورثيلاني أعالي القبائل الصغرى ببني ورثيلان بولاية سطيف، يوم 2 جوان 1900م. من أسرة عريقة في العلم والثقافة الإسلامية حيث حفظ القرآن الكريم، ودروس مبادئ العربية والعلوم الشرعية. انتقل بعد ذلك إلى مدينة قسنطينة سنة 1928م حيث درس على أستاذ الجيل المصلح الجزائري الشيخ عبد الحميد بن باديس ولم يلبث حتى بات منذ سنة 1932 م مساعداً له في التدريس، و متجوّلاً لصالح مجلة الشهاب ومرافقاً لابن باديس في بعض رحلاته بالوطن، مشاركاً بقلمه في كل من البصائر و الشهاب بروح وطنية وشعور ديني ملتهب.. في عام 1940 كانت وجهته القاهرة حيث آثر الانتساب إلى الأزهر فحصل على شهادته العالمية في "كلية أصول الدين والشريعة الإسلامية" مواصلاً جهاده القومي الوطني، للتعريض بالاستعمار الفرنسي في الجزائر وخدمة "القضية الجزائرية"، وقضايا المسلمين عموماً، فأسس مثلاً سنة 1942م "اللجنة العليا للدفاع عن الجزائر" كما أسس سنة 1944م "جبهة الدفاع عن شمال إفريقيا" ثم مكتب جمعية العلماء المسلمين في القاهرة سنة 1948م الذي استقبل فيه الشيخ محمد البشير الإبراهيمي سنة 1952م وقد صار عضواً في تنظيم حركة الأخوان المسلمين حتى اتهم بالمشاركة في محاولة انقلابية في اليمن قتل فيها يحيى حميد الدين إمام اليمن (1869 - 1948م) فقبض عليه هناك ثم أفرج عنه مع من شملهم العفو.. عند قيام الثورة الجزائرية 1954م أعلن مساندته لها، وعمل في صفوف جبهة التحرير في وفدها الخارجي بالقاهرة بهمّة عالية وجدّ وإخلاص لا يعرف مللاً ونفاقاً اعتاده السياسيون، الأمر الذي أزعج بعضهم، حتى وصفه أحدهم بالوباء، فأجهد نفسه غير عابئ بأكثر من داء كان يستوطن جسمه مؤجلاً العلاج، معجلاً بالمبادرة في ميدان العمل والنشاط ، في 1 نوفمبر 1954م انطلقت الثورة الجزائرية لتحرير البلاد من الاستعمار الفرنسي، وقد رحب الفضيل الورثيلاني بهذه الثورة التي طالما انتظرها وسعى لقيامها. ونشر مقالاً في 3 نوفمبر أي بعد ثلاثة أيام فقط من اندلاع الثورة التحريرية تحت عنوان: "إلى الثائرين من أبناء الجزائر: اليوم حياة أو موت"، وفي 15 نوفمبر من العام نفسه أصدر مع الشيخ محمد البشير الإبراهيمي بياناً: "نعيذكم بالله أن تتراجعوا".وفي 17 فبراير1955م شارك في تأسيس جبهة تحرير الجزائر والتي تضم الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، وممثلي جبهة التحرير الوطني أحمد بن بلة، حسين آيت أحمد، محمد خيضر وبعض ممثلي الأحزاب السياسية الجزائرية كالشاذلي مكي، حسين لحول، عبد الرحمن كيوان وأحمد بيوض. وكان الهدف الأساسي لهذه الجبهة مناصرة ومساندة الثورة الجزائرية. كان الورثيلاني من الرجال الذين تشغلهم القضايا الكبرى عن نفسه وربما وصل الليل بالنهار في عمل دائم دون أن يذوق طعامًا، شأنه في ذلك شأن أصحاب الدعوات، وقد أدى ذلك إلى اختلال في صحته، وتعرُّضه لأمراض خطيرة، لكنَّ ذلك لم يمنعه من الحركة والعمل في سبيل الدعوة، حتى لقي ربه في إحدى مستشفيات مدينة "أنقرة" في 2 من رمضان 1387 ه/ 12 من مارس 1959م، اليوم الذي التحق فيه الشيخ الورثيلاني إلى جوار ربه، سنة 1987م و بعد سنوات من الجحود، نقلت رفاته من تركيا ليعاد دفنها في مسقط رأسه بالجزائر. ...من مواقفه في 8 مايو 1945، ارتكب الاستعمار الفرنسي مجزرة رهيبة في الشرق الجزائري بلغت ضحاياها الآلاف من الجزائريين الذين خرجوا في مظاهرات طالبين الحرية التي وعد بها الحلفاء للشعوب التي وقفت في صفهم ضد ألمانيا وأتباعها خلال الحرب العالمية الثانية، انزعج الورثلاني كثيراً من هذه الجريمة الإنسانية فكتب مجموعة من الرسائل المفتوحة إلى السفير الفرنسي بالقاهرة ونشرت في الصحف العربية وأرسل أيضاً عدة برقيات إلى المنظمات الدولية ليندد بهذه المجزرة الوحشية؛ عاش الفضيل الورثيلاني في مقاومة الجهل ومحاربة الظلم داعياً إلى التحرر من سيطرة الاستعمار وكانت رحلاته عبر العالم فرصة لنصرة بلاده المحتلة ومناسبة لدعوة القادة والشعوب العربية للنهضة. فقد نجحت نوادي التهذيب التي أسسها في فرنسا في استقطاب المسلمين المغتربين إلى دينهم والاعتزاز بحضارتهم حتى أصبحت تثير مخاوف السلطة الفرنسية والأحزاب الوطنية المغاربية ذات التوجه العلماني، وفي المشرق العربي ترك آثاراً حسنة وسمعة مرموقة حتى أطلق عليه العلماء والزعماء العرب لقب "المجاهد" رحمه الله رحمة واسعة. ...الدكتور يوسف القرضاوي يتحدث عن الفضيل الورثيلاني زرت الداعية المجاهد الشيخ الفضيل الورثيلاني، أحد رجالات الجزائر ومجاهدي علمائها المرموقين، وقد كنت لقيته من قبل في بيروت في رحلتي الشامية السابقة، وكانت هذه الزيارة بناء على طلبه.وقد عاد من بيروت معززًا مكرمًا من رجال ثورة يوليو باعتباره أحد رموز الجهاد الوطني والعربي، فرجا أن يراني في القاهرة حين يعود إليها،حيث أرسل إليّ لأزوره أين يقيم، فاصطحبت أخي محمد الدمرداش وذهبت لزيارته ،حدثنا الشيخ المجاهد عن بعض تجاربه في حياته الحافلة، المثيرة والخصبة، ثم سألته أن يحدثنا عن شيخه الشيخ عبد الحميد بن باديس مؤسس (جمعية علماء الجزائر)، هذه الأخيرة التي قامت بدور معروف غير مذكور في نهضة الجزائر، وأعادتها إلى هويتها العربية الإسلامية بعد استماتة فرنسا في القضاء على هذه الهوية بالفرنسة. في هذا اللقاء حاول الشيخ الورثيلاني أن يملأني ثقة بنفسي فقال: أرى فيك متشابهًا من الأستاذ حسن البنا، وهذا يلقي عليك تبعات. فقلت له: يا أستاذ وأين يوسف القرضاوي من الأستاذ حسن البنا؟ وأين الثرى من الثُريا؟ فثار عليَّ وقال: لا تحقر نفسك، إن حسن البنا عنده قدرات ليست عندك وأنت عندك قدرات ليست عنده، ومجموع مواهبك يؤهلك لتقوم بدور فلا تنسحب منه ولا تبخس نفسك حقها.قلت: أسأل الله أن يجعلني أهلاً لثقتك وحسن ظنك. قال: ستثبت لك الأيام حسن ظني؟ قلت: أرجو الله. وقد قرأت في حكم ابن عطاء الله السكندري: إن الناس يمدحونك لما يظنونه فيك، فكن أنت ذاما لنفسك لما تستيقنه منها، أجهل الناس من ترك يقين نفسه لظن ما عند الناس. قال: وهذا يزيدني ثقة بك. وكان أخي الدمرداش يستمع إلى حديثه عني وهو منفرج الأسارير فقد كان -رحمه الله- شديد الحب لي والاعتزاز بي، إلى حد الإسراف أحيانًا. وفي نهاية اللقاء قال لي: هنا أحد إخواني من شباب علماء الجزائر النابهين، وقد جاء ليكمل دراسته بالأزهر وهو من قريتي، ولا آمن أن يعيش مع أحد من مصر إلا معك، فأنا أوصيك به خيرًا، ولعلها تكون فرصة له لينهل منك شخصيًّا ومن الإخوان وروحهم بصفة عامة، وكان هذا الأخ في الخارج فناداه فحضر، وقال: هذا هو (محمد الأقصري) أمانة في عنقك. وقد انعقدت بيني وبين الأخ الأقصري مودة عميقة وصداقة وثيقة، وظل حتى تخرج، وكان له دور في ثورة الجزائر، فقد كان له خطاب يومي أو ليلي إلى ثوار الجزائر كلفته به القيادة، يُذاع بصوته من إذاعة (صوت العرب) بالقاهرة كل ليلة، يعبئ الروح المعنوية، ويحرض على القتال، وظل هذا حتى انتصرت الجزائر..هكذا تبقى واقفة و صامدة بفضل رجالها و علمائها الرجال. للإشارة، فإنه و خلال الأيام القليلة القادمة 12، 13 و 14 من الشهر الجاري سيتم انعقاد ملتقى العلامة الشيخ المجاهد الفضيل الورثيلاني بشعار: " بالعلم تستنير الأمة و تنهض" و هذا بكل من دار الثقافة هواري بومدين بسطيف و دائرة بني ورثيلان تحت الرعاية السامية لفخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة و ولاية سطيف.