غيّرت منطقة بني يني في أعالي ولاية تيزي وزو، من وجهها الجمالية استعدادا لاحتضان نصب تذكاري لأحد رجالات الثورة الجزائرية، والذين صنعوا تاريخها الناصع، انه أسد جرجرة كما يلقب العقيد (عميروش ايت حمودة)، حيث تم إعادة تهيئة مدخل بلدية بني يني لدى مفترق الطرق الذي يربط بينها ودائرة عين الحمام من الجهة الجنوبية الشرقية، ليتوسطه هذا النصب الذي يحمل مجسما للشهيد الثائر مع تهيئة المكان بجدران وقائية انجزت بالحجارة لحمايتها من الانزلاقات، كما تزينت بمجسمات لحلي فضية ترمز للحلي التقليدية التي كانت بني يني ومازلت مهدا لها وتشتهر بهذه الصناعة. تكريم هذا الرجل وتشريف المنطقة التي أنجبت أسودا ساهموا في كتابة تاريخ الجزائر بأحرف من ذهب، بتنصيب هذا النصب فيها جاء تزامنا والذكرى ال55 لاستشهاد هذا البطل، الذي ولد في 31 أكتوبر 1926 بقرية تاسافت أوقومون في تيزي وزو، ترعرع في المنطقة الجبلية الوعرة التي أخذ منها الثبات والحزم في الحياة اليومية لقساوة الطبيعة ومنها تشبع بحب الوطن والتمسك بالارض والحرية. انضم إلى حركة انتصار الحريات الديمقراطية بمدينة غليزان أين كان يشتغل في إحدى المتاجر إلى جانب النشاط السياسي المتمثل في توزيع المناشير وتبليغ التعليمات والدعاية للحركة وجمع الاشتراكات. كان نشاطه مكثفا وملحوظا، مما جعل السلطات الفرنسية تعتقله سنة 1947 و1948 فأذاقته شتى أنواع التعذيب بعدما ضاقت به السبل سافر إلى فرنسا سنة 1950 لمزاولة نشاطه السياسي، وقبل اندلاع الثورة التحريرية بشهرين عاد إلى الوطن ليلتحق بالمجاهدين بعين الحمام. مع بداية تجنيده أبدى "عميروش" قدرة كبيرة في تنظيم الجهاد، مما جعله يتدرج في المسؤوليات بدأ بمسؤول ناحية عين الحمام بعد استشهاد قائدها الأول ثم مسؤول ناحية القبائل الصغرى أين تمكن في ظرف وجيز من إرساء النظام الثوري وتكوين الخلايا في القرى والمداشر. مع نهاية سنة 1955 ارتقى عميروش إلى رتبة ملازم ثاني وتمكن من مواجهة كل المخططات التي رسمها العدو ومن أشهرها عملية الأمل والبندقية التي كانت من أولى العمليات التي أنتجها عبقرية روبير لاكوست. مرة أخرى برزت شجاعة "عميروش" وتحديه للمستعمر فرغم محاصرة المنطقة بأكثر من 60 ألف عسكري، إلا أنه بذل مجهودات جبارة لعقد مؤتمر الصومام، فكثف من العمليات العسكرية في الأماكن المجاورة لتضليل العدو، كما أعد خمس كتائب وجهزها بالأسلحة لتشرف مباشرة على أمن المؤتمرين إلى جانب الاستعانة بالمسبلين والمواطنين. في ربيع 1957 قام بمهمة إلى تونس التقى خلالها بقادة الثورة هناك، واتصل ببعض المسؤولين في الولايات الأولى والثانية من بينهم سي الحواس. وفي صائفة سنة 1957 تم تعيينه قائد الولاية الثالثة بعدما التحق كل من "كريم بلقاسم"و"محمدي السعيد" بلجنة التنسيق والتنفيذ بتونس، بعد اجتماع العقداء سنة 1958 وبعد مناقشة امور الثورة كلف العقيد "اعميروش" وزميله "سي الحواس" بمهمة الاتصال بالقيادة بتونس وتنفيذا لتلك المهمة التقى عميروش بسي الحواس واتجها إلى نواحي بوسعادة، وفي يوم 29 مارس 1959 وقع العقيدان في اشتباك عنيف مع قوات العدو استشهدا فيه معا بجبل ثامر. هذا وقد شاركت امس العديد من الشخصيات والعائلة الثورية في تدشين النصب التذكاري الذي يعد تكريما وتقديرا للرجال الذين ضحوا بالنفس والنفيس من اجل أن تحيا الجزائر حرة مستقلة.