تدفقت على شوارع العاصمة في الفترة الأخيرة أعداد هائلة من اللاجئين الذين دفعت بهم الظروف التي تعيشها بلدانهم إلى اللجوء إلى الجزائر هربا من جحيم الحرب وما نجم عنها من آثار مأساوية في كثير من المجالات، إذ نجدهم ينتشرون في مختلف الأماكن في الأسواق وفي الحافلات وفي محطات السفر وغيرها من الأماكن العمومية. خليدة زيان خلق امتهان هؤلاء الوافدين الجدد للتسول جوا من التنافس والتنازع الشديدين بينهم وبين المتسولين الجزائريين، فبمظاهرهم البائسة للغاية استطاعوا جلب شفقة واستعطاف الجزائريين وهذا ما انزعج منه متسولون جزائريون واعتبروه تهديدا لهم ولقوت يومهم. وإلى حين هدوء الأوضاع وعودتهم إلى بلدانهم يظل هؤلاء مصدر قلق وانزعاج بالنسبة لكثير من المتسولين الجزائريين، كما تبقى أرصفة الشوارع الجزائرية تحتضنهم بين رافض لهم ومتعاطف معهم وآخر متخوف من حمل الأمراض منهم. تنافس شديد على التسول انزعج الكثير من المتسولين الجزائريين لانضمام هؤلاء اللاجئين لهم في سؤالهم الناس واعتبروهم تهديدا لهم ولقوت يومهم مما أدى إلى خلق تنافس شرس بين كلا الطرفين، فقد أضحى هؤلاء اللاجئين المتسولين بمظاهرهم البائسة والجالبة للشفقة يزاحمون المتسولين الجزائريين في كسب عطف المارة وخاصة المحسنين منهم بالإضافة إلى المشاحنات بسبب الأمكنة. مواطنون متعاطفون إن تمركز اللاجئين الهاربين من جحيم الحرب في زوايا الشوارع الجزائرية وفي مختلف الأماكن العمومية برفقة فلذات أكبادهم وهم عراة حفاة جلب أنظار الكثير من الجزائريين الذين أبدوا تعاطفا كبيرا معهم، إذ يشفقون عليهم كثيرا ويشعرون بالأسى لأجلهم كونهم يظهرون في وضعية مزرية، ولم يلبث مواطنون جزائريون أن يقدموا يد العون لهؤلاء اللاجئين الذين لم يكن أمامهم سوى اللجوء إلى التسول لإطعام عائلاتهم، فقدم لهم المحسنون مساعدات من مال، ملابس وأفرشة. أمراض... تحايل... جوسسة إن انتشار اللاجئين المتسولين في كل الأمكنة أمر ألزم الجزائريين الاحتكاك بهم، ومنه اعتبر العديد من المواطنين الجزائريين هؤلاء اللاجئين مصدر خوف لانتقال الأمراض خاصة وأنهم يتواجدون دون رقابة طبية ولا سيما وأنهم يتركون مخلفات تسولهم في عدة أمكنة وعليه بات الكثير من المواطنين يفضلون تفادي الاحتكاك بهم خوفا من حمل الأمراض منهم. (أنا أشفق كثيرا على حالتهم لكني جد متخوفة من انتشار بعض الأمراض وحملها منهم). اعتاد الكثير ممن امتهنوا التسول التخفي وراء ستار التسول للتحايل على الناس باتخاذهم التسول وسيلة سهلة لضمان العيش دون مراعاة للكرامة وعزة النفس، مستغلين بذلك التعاطف الكبير الذي يبديه الكثير من الناس، وجراء هذا الأمر أصبح المواطن الجزائري يخشى أن يقع في فخ التحايل من قبل هؤلاء اللاجئين المتسولين فمن كثرتهم يصعب التفريق بين المحتاج منهم ومتصنع الاحتياج. كما يخشى العديد من المواطنين استخدام هؤلاء المتسولين للجوسسة وجمع المعلومات. ''كي تشوف هم غيرك تنسى همك'' في زاوية مهجورة بشارع من شوارع بلدية براقي وعلى الأرض الباردة الموحلة تجلس السيدة عائشة أم لطفلين وهي ترتجف من البرد وأمعاؤها الفارغة تصرخ في شبه عواء لا يسمعه أحد سواها، تظل في مكانها كتمثال يتحدى الزمن وكل عواصف الطبيعة، امرأة أجبرتها ظروف الحياة القاسية والمريعة على اللجوء إلى التسول. السيدة عائشة ألفت الكثير من نظرات الحزن والشفقة وعبارات الأسف من قبل المارة لكنها اليوم أصبحت هي صاحبة هذه النظرات والعبارات لأنه على حد قولها (كي تشوف هم غيرك تنسى همك) قاصدة بالغير اللاجئين فلا حالتها المزرية ولا فقرها المدقع منعاها من تقديم يد العون إلى هؤلاء اللاجئين الذين لم يجدوا سبيلا آخر سوى الهجرة التي فرضتها عليهم ظروف الحرب وما نجم عنها من آثار مأساوية في كثير المجالات. ولقد اعتاد سكان الحي على مظهرها البائس لكن ما لفت انتباههم وتعجبهم هو أن تقوم هذه السيدة بالاستغناء والتخلي عن المساعدات التي تقدم لها لصالح هؤلاء اللاجئين وقد عللت ذلك بقولها (يكفيني أني راني في بلادي)، ومنه اعتبر السكان هذا التصرف من القيم الإنسانية والمثل العليا التي يتحلى بها الشعب الجزائري، إذ قال أحد السكان (خالتي عائشة مثال يقتدى به). وتبقى ردود أفعال أفراد المجتمع الجزائري تتراوح بين الرفض والقبول إلى أن تتحرك السلطات المعنية وتضع لهم حلا ينتشلهم هم وأطفالهم من على الأرصفة إلى أن يعم الاستقرار بلدانهم ويعودوا إليها.