100 مليار دينار خسائر حوادث المرور بعد إرهاب التسعينيات يعود إلى الجزائر إرهاب من نوع آخر هو إرهاب الطرقات الذي يحصد الأرواح يوميا ويخلّف وراءه آلالاف الجثث وملايين المشوّهين والمعاقين حركيا، حيث تمّ إحصاء ما لا يقلّ عن 37 ألف قتيل وقرابة 30 ألف معاق في السنوات العشر الأخيرة، أي منذ سنة 2004، لتحتلّ بذلك الجزائر المرتبة الثالثة عربيا وال 29 عالميا من حيث الحوادث المميتة. تحصد حوادث المرور الكثير من الأرواح يوميا، فحصيلة الأشهر الثلاثة من السنة الجارية كانت مُريعة، حيث لقي 188 شخص حتفهم وجرح 4911 آخرون في 4189 حادث مرور، وهي حصيلة ليست أخفّ وزنا عن حصيلة سنة 2011، أين تمّ تسجيل وفاة 3831 شخص وجرح 44936 آخرين في 25023 حادث مرور، حسب حصيلة المديرية العامّة للأمن الوطني. هذه الأرقام المخيفة جعلت الجزائر حسب المنظّمة العربية للسلامة المرورية تحتلّ حاليا المرتبة الثالثة عربيا من حيث عدد قتلى حوادث المرور بعد مصر والسعودية، بينما صنّفت المنظّمة العالمية للصحّة الجزائر في المرتبة ال 29 عالميا. ويعود ارتفاع عدد الحوادث إلى عدّة عوامل، لكن المصالح المعنية لا تركّز إلاّ على العامل البشري كأهمّ سبب، في حين أن هناك عوامل أخرى تؤدّي إلى نفس النتيجة كانعدام الإنارة العمومية والنقص الكبير في إشارات المرور على المستوى الوطني، بالإضافة إلى نقص التكوين في مجال السياقة. إرهاب الطرقات يخلّف 03 آلاف معاق سنويا تتسبّب حوادث المرور يوميا في سقوط ضحايا بالجملة يتعرّضون لمختلف الإعاقات الجسدية، ما يجعلهم عاجزين عن ممارسة حياتهم بشكل طبيعي. فإرهاب الطرقات الذي بات اليوم يستهدف أيضا الحافلات والمركبات العمومية ساهم بشكل مُريع في ارتفاع عدد الضحايا، حيث تُعدّ الجزائر من الدول الأكثر تسجيلا لحوادث المرور في العالم، فعدد الذين يلقون حتفهم كلّ سنة في الطرق يفوق عدد الذين يموتون بأمراض السرطان والقلب وغيرها من الأمراض المزمنة. إذ تشير إحصائيات جمعية (البركة) إلى تسجيل حوالي 3 آلاف معاق سنويا، 7.16 بالمائة منهم تعرّضوا لإعاقة حركية بسبب هذه الحوادث، والتي تقع مسؤولية 95 منها على العنصر البشري. لقد تحوّلت الطرقات في بلادنا إلى مقابر مفتوحة بالنّظر إلى ما تحصيه يوميا من ضحايا يجدون أنفسهم محاصرين بين التهميش ونظرات الإحسان والشفقة في ظلّ انعدام أدنى الوسائل التي يحتاجها المعاق، على غرار الكراسي المتحرّكة، ويظلّ العامل البشري المتسبّب الأوّل والأخير في حوادث المرور، حسب ما تؤكّده التحقيقات الميدانية للمصالح المختصّة، والتي تحدّد الأسباب التي تقف وراء هذه الحوادث في عامل واحد مشترك هو العامل البشري. ومثلما يلحق السائق بنفسه الضرر يلحقه كذلك بغيره من خلال التجاوزات الخطيرة التي يرتكبها خلال ممارسته السياقة وعدم احترامه قانون المرور، وهو يتحمّل بذلك مسؤولية وتبعات ما يقع له ولغيره من أضرار، خاصّة إذا علمنا بأن هذه الحوادث تخلّف يتامى وعاطلين عن العمل ومعاقين. ويقف العامل البشري وراء نسبة كبيرة من حوادث المرور تأتي كالآتي: يمثّل عامل فقدان السائق السيطرة نسبة 62.25 والسرعة المفرطة نسبة 72.19 والتجاوز الخطير ب 89.10 ، تليها لا مبالاة المارّة بنسبة 46.8 وعدم احترام مسافة الأمن بنسبة 26.6 ، يليها السير على اليسار ثمّ عدم احترام الإشارات وعدم احترام الأسبقية ثمّ تغيير الاتجاه دون إشارة، حسب تحليل المركز الوطني للوقاية والأمن عبر الطرق. 12 قتيلا يوميا رغم صرامة قانون المرور الجديد يقتل (مجرم الطرقات) يوميا 12 شخصا وفق إحصائيات رسمية نشرتها المديرية العامّة للأمن الوطني، في الوقت الذي وصف فيه خبراء قانون المرور الجديد بأنه (قانون عقوبات) نظرا للغرامات القاسية المطبّقة في حقّ السائقين والرّاجلين على حد السواء. وتضمّنت التعديلات الجديدة على قانون تنظيم حركة المرور أقصى العقوبات في حقّ مرتكبي مختلف الجنايات، سواء تعلّق الأمر بأصحاب السيّارات الخاصّة أو وسائل النقل الجماعية، من خلال تسليط عقوبة تتراوح بين 5 و10 سنوات سجنا نافذا كأقصى حدّ وفرض غرامات مالية تتراوح بين 500 ألف دينار ومليون دينار، إلى جانب أحكام بالسجن النافذ تتراوح ما بين سنتين إلى 5 سنوات عن جنايات القتل المرتكبة في حوادث المرور من قِبل أصحاب السيّارات السياحية وغرامات مالية تتراوح بين 100 ألف دينار و200 ألف دينار. 100 مليار دينار خسائر الدولة سنويا بسبب حوادث المرور أوردت منظّمة دولية مهتمّة بالسلامة المرورية أرقاما مرعبة عن إرهاب الطرقات في الجزائر الذي يهلك شخصا على الأقل كلّ ثلاث ساعات ويستنزف من خزينة الدولة ما يقارب المائة مليار دينار سنويا، حيث يسجّل حادث مرور كلّ 15 دقيقة. وتقدّم المنظّمة العربية للسلامة المرورية أرقاما مرعبة عن حوادث السير في العالم العربي، حيث تخلّف سنويا أربعين ألف قتيل، 85 بالمائة منها نتيجة أخطاء بشرية، إضافة إلى سلوكات السائقين المتهورة في أغلب الأحيان نتيجة الفوضى في السياقة التي تعتبر المسؤولة عن 73 بالمائة منها، ويقع 4 بالمائة منها على عاتق الأحوال الجوية السيّئة ونسبة 2 بالمائة إلى 7 بالمائة تعود إلى صعوبة الطرقات وعدم سلامتها، وللهاتف المحمول نصيب يبلغ 6 بالمائة نتيجة استعماله أثناء القيادة. الشباب أهمّ عنصر متورّط أشارت تقارير رسمية إلى أن الشباب هم الفئة الأكثر تورّطا في حوادث المرو، حيث تقع مسؤولية 34.95 بالمائة من الحوادث على عاتق الفئة العمرية المنحصرة بين 25 و 34 سنة لعدم احترامهم لقانون المرور من خلال تهوّرهم وإفراطهم في السرعة. تشير التقارير إلى أن ولاية سطيف في الواجهة باحتلالها المرتبة الأولى كأعلى نسبة في حوادث المرور على المستوى الوطني قدّرت ب 5.37 بالمائة، تلتها الجزائر العاصمة بنسبة 4.64 بالمائة فوهران بنسبة 4.29 بالمائة، في حين تمّ تسجيل أغلب حوادث المرور خلال صيف سنة 2011 ارتفاعا بنسبة 41 بالمائة مقابل 17.22 بالمائة خلال الفترة الشتوية. إلى جانب تهوّر الشباب وإفراطهم في السرعة هناك سبب آخر لهذه الأرقام المريعة يتمثّل في الحواجز الأمنية التي تسبّب الازدحام وعرقلة حركة المرور، حيث نجدها حتى في الطرق السريعة، وهو ما يجعل السائقين يتداخلون بين الاتجاهات المحدّدة للطرق السريعة وخرق الخطّ الأصفر، ما يتسبّب في احتكاك السيّارات فيما بينها وبالتالي وقوع حوادث المرور. وفي هذا الصدد، أكّد (س.ب)، مسيّر شركة خاصّة، أن ولايات الشرق تكثر فيها الكوارث المرورية، مرجعا سبب ذلك إلى (الازدحام وضيق الطرقات بسبب الأشغال العمومية التي لا تكون في إطارها الزّمني الصحيح) -على حدّ تعبيره-، الأمر الذي يتسبّب في تضييع وقت الكثير من العمال، مضيفا أنه (وبمجرّد ما نخرج من الازدحام نفرط في السرعة من أجل الالتحاق باكرا بنقاط العمل). أمّا مواطن آخر وهو إطار في مؤسسة أجنبية فقال إن مسؤوله يفرض على عمّاله الحضور على الساعة ال 8 صباحا، وهو حال جميع الجزائريين، ممّا يجعل الطريق المؤدّي إلى العاصمة مسدودا -حسبه-، (ليس بسبب كثرة السيّارات وإنما لضيق الطريق)، وما يزيد الطّين بلّة -يقول المتحدّث- هي الحواجز [الباراجات] الموجودة على الطرق السريعة المؤدّية إلى الطريق السريع رقم 8 ببرّاقي وآخر في نفس الطريق بعد بضع كيلومترات فقط)، متسائلا في الأخير عن سبب هذه العراقيل التي تجعل من الوصول إلى عملك أمرا شبه مستحيل في ظلّ وجود هذه الحواجز، خاصّة وأن الطريق يقصده الكثير باعتباره الطريق المؤدّي إلى العاصمة وما جاورها. وهناك سبب قد يغفل عنه الكثيرون لكنه مهمّ يتمثّل في (الكورتاج)، قافلة الأعراس التي تتحوّل إلى مآتم من خلال تهوّر السائقين الذين يحاولون إظهار مهاراتهم باللّعب بالسيّارات والتسابق، وهو سبب رئيسي محرّض على ارتفاع حصيلة الوفيات. أخبار اليوم تنقل مأساة ضحية إرهاب الطرقات خلال إعدادنا لهذا الروبورتاج ارتأينا أن ننقل معاناة إحدى ضحايا إرهاب الطرقات وهي عائلة (ب. بوعلام) الذي لقي مصرعه شهر أكتوبر الماضي في حادث مرور مأساوي مخلّفا وراءه عائلة متكوّنة من 05 أفراد. حسب عائلة الضحية فقد كان هذا الأخير شخصا معروفا بطيبته ومحبوبا لدى الجميع، خاصّة أبناء الحي الذين يتلهّفون لرؤيته بعد مجيئه من العمل للدردشة معه وتبادل أطراف الحديث، وفي أحد أيّام شهر أكتوبر توجّه كالعادة إلى مقرّ عمله بمصنع الإسمنت ببلدية مفتاح، حيث أرسل في مهمّة عمل إلى صور الغزلان بصفته مهندسا رفقة زملائه في العمل، وفي الطريق صادفوا شاحنة من الحجم الكبير تجاوزت السيّارات التي كانت قبلها لتصطدم بالسيّارة التي كانت تقلّ الضحية وزملاءه، والذين لقوا مصرعهم مباشرة، ويتعلّق الأمر بكلّ من (م. سفيان) البالغ من العمر 28 سنة، والذي كان قد تزوّج حديثا من مفتاح، والاثنين الآخرين من الأربعاء في مقتبل العمر هما أيضا. مَن المتّهم؟ تدفعنا هذه الأرقام المخيفة إلى أن نتساءل من هو المتّهم في حصد أرواح الأبرياء على الطرق؟ إلى متى يبقى السائقون خاصّة المتهوّرون في الطرقات يقودون كلّ على طريقته وأهوائه دون احترام إشارات المرور؟ غير مبالين بالسائقين الجدد، ضاربين عرض الحائط كلّ القوانين، خاصّة الفئة التي تدرك حقّ دراية أن رخصة سياقتها ستسترجعها في حال سحبت منها بوجود (المعرفة) كما يقال بالعامّية. لكن في المقابل تبقى المطبّات والحفر المتواجدة على مستوى الطرق وغياب الإنارة العمومية ونقص الحظائر وكثرة السيّارات التي يضطرّ المواطن إلى شرائها بسبب سوء النقل في الجزائر أسبابا لا يمكن التغاضي عنها ونكراها، كلّ هذا يحدث في ظلّ غياب الثقافة المرورية للجزائريين.. فإلى متى؟