السلطات الفرنسية سلّمت، قبل يومين، جزءا من أرشيف الحقبة الاستعمارية للجارة تونس التي كابدت ويلات الاستدمار الفرنسي لمدّة غير قليلة، وبدلا من أن تحصل على اعتذار من الإدارة الفرنسية على ما لحق بها وبأبنائها من أذى محقّق حصلت على جزء من الأرشيف الذي لا يدين فرنسا طبعا· فباريس لا تسلّم لمستعمراتها السابقة إلاّ بعض الفُتات من الأرشيف السّمعي البصري العادي الذي يبيّن جانبا من نمط الحياة خلال سنوات خلت، لكنه لا يكشف الحقيقة كاملة· وما حصل لتونس مع فرنسا حصل للجزائر من قبل، فالجزائر استعادت جزءا من الأرشيف المتعلّق بحقبة الحرب العالمية الثانية، وكذا الفترة الممتدّة بين 1945 و1962، لكن ذلك لم يكن كافيا حتى الآن للتأكّد من وجود رغبة حقيقية لدى الإدارة الفرنسية في طيّ صفحة الماضي بكلّ أخطائها وآلامها، فباريس تريد أن ينسى الجزائريون ما حصل بل بساطة دون أن يحصلوا على تعويض أو اعتذار أو اعتراف أو حتى الأرشيف الكامل· هكذا بكلّ بساطة تعتقد السلطات الفرنسية أنه بالإمكان إخفاء الحقيقة وطمس معالم الجرائم الاستعمارية، وتظنّ أن عدم حصول الجزائريين على الأرشيف الذي يكشف بعض الحقيقة وليس كلّها بالتأكيد، سيجعلهم ينسون ما فعلت بهم فرنسا الاستعمارية وبآبائهم وأجدادهم· لقد خلّفت عملية تسليم جزء من الأرشيف التاريخي من فرنسا للجزائر أصداء إيجابية هنا وهناك تحت شعار أن القليل أفضل من لاشيء، لكن بعد أن تبيّن أن ما يحويه الأرشيف المسلّم لا يكشف الجوانب المظلمة الحقيقية للاستعمار، وأن الأمر يتعلّق ب قليل القليل، وأن باريس مصرّة على طمس كلّ أدلّة وقرائن جرائمها في الجزائر وغيرها، أدركنا أخيرا أنه يمكن أن يكون اللاّ شيء أفضل من القليل· ويبدو واجبا على الجزائر الآن أن تطالب بالأرشيف كاملا أو لا تطالب بأيّ شيء تماما، لأن عدم الحصول على الأرشيف أفضل من الحصول على صور لأشخاص يمشون على أرض الجزائر·· وفقط·