الطريقة التي قتل به لاعب شبيبة القبائل الكاميروني آلبرت إيبوسي السبت الماضي عقب تعرّضه لمقذوفة من المدرّجات أردته قتيلا وضعت جميع الجزائريين في حيرة من أمرهم، بعضهم تساءل لماذا قتل إيبوسي؟ وبعضهم تساءل مَن المستفيد من هذا العمل الإجرامي الشنيع؟ وبين هذين السؤالين تبقى علامة استفهام كبيرة تطرح نفسها إلى أين نحن ذاهبون؟ وفي انتظار أن يجد المختصّون ولو جوابا واحدا عن مثل هذه الأسئلة علينا أن نترك حادثة ملعب أوّل نوفمبر بتيزي وزو جانبا ونغوص في عمق القضية، ونبدأ من قول الرسول الكريم (محمد) عليه الصلاة والسلام، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم. ترى أين نحن من هذا الحديث الشريف الذي أوصانا به النبيّ الكريم (محمد) عليه الصلاة والسلام ومن تطبيقه في حياتنا اليومية؟ الكلّ أصبح لا يبالي بما يحدث حوله، والكلّ بات يطبّق المقولة الشهيرة (تخطي راسي). فمقتل الكاميروني إيبوسي خلال مباراة شبيبة القبائل واتحاد العاصمة هو بمثابة الفأس الذي وقع على رأس كلّ الجزائريين دون استثناء، فكما سبق وأن قلت في أكثر من مرّة عبر صفحات هذه الجريدة (كلّنا مسؤولون عن مقتل إيبوسي). قد يقول قائل لم يسبق وأن وطأت قدماه أيّ ملعب من ملاعبنا: (ما ذنبي أنا في مقتل إيبوسي؟)، لكنّي أعود لأكرّر قولي كلّنا مسؤولون عن مقتل إيبوسي بطريقة لم تعرف مثلها ملاعبنا، بل ملاعب العالم. البيت فقد مكانته في تربية الأبناء لا يختلف اثنان حول أن البيت فقد مكانته الحقيقة في تربية النشء، وبات الكثير من الأولياء خارج (البيت)، فماذا ننتظر من أطفال لم يعرفوا معنى التربية الأسرية؟ هناك الكثير من الأولياء وللأسف تناسوا دورهم الحقيقي في تربية أبنائهم إلى درجة أنهم لا يسألون عنهم، فماذا ننتظر من أطفال بعضهم لا يتجاوز العاشرة من العمر يقضون معظم ساعات اللّيل خارج البيت؟ وماذا ننتظر من أطفال في عزّ الطفولة أدمنوا على تدخين السجائر، وبل بعضهم أصبح مدمنا على مواد محظورة، والطامة الكبرى أن الكثير من الأولياء على علم بما بات عليه أبناؤهم لكنهم لا يحرّكون ساكنا وكأن بهم يريدون تطبيق المقولة السالف ذكرها (تخطي راسي)، وكأن بالقدر أراد بتلك الحجارة القاتلة التي قذفها أحد مناصري روّاد ملعب أوّل نوفمبر بتيزي وزو أن لا تصيب أيّ جزائري فاختارت رأس لاعب كاميروني فأردته قتيلا، فأيّ مصادفة هذه؟ ومن بين المظاهر التي استقحلت وسط الأطفال إدمانهم على ألعاب الفيديو فباتت أفلام العنف والقتل وما شابه ذلك من بين الهوايات المحبّبة لديهم، وممّا زاد الطّين بلّة هو التسويق والترويج العلني لمثل هذه الألعاب، الأمر زاد من تفاقم الأزمة، فمن البديهي أن نحصد جيلا فاسدا لا يعرف إلاّ القتل، وما حدث في ملعب أوّل نوفمبر بمدينة تيزي وزو ليس إلاّ مرآة حقيقية للواقع المُرّ الذي أصبح عليه اليوم أطفال الجزائر، وإن بقيت الأمور على ما هي عليه الآن فالقادم سيكون أسوأ. لهذا يجب على كلّ أب وكلّ أُمّ أن يراعيا أبناءهما، وأن يراقباهم في كلّ صغيرة وكبيرة، وعلى كل أب تحديدا أن يسأل نفسه: (هل أنا أقوم بواجبي في تربية أبنائي؟)، فإن لاحظ اعوجاجا أو تهميشا فعليه أن يعيد النّظر في تربية أبنائه، فهؤلاء أمانة في عنقه وسيسأل عنهم يوم القيامة. ترى أين نحن من قول الرسول الكريم: (علّموا أبناءكم السباحة والرماية وركوب الخيل)، فممارسة الرياضة لدى الأطفال تربّيهم على الطاعة واحترام الغير وتزرع في نفوسهم حبّ الوطن، فلا نخشى خشية لائم على جيل الغد. مدارسنا خارج التربية... بعد أن فقد البيت مكانته في تربية النشء من البديهي أن تنتقل العدوى إلى المدرسة، فهذه الأخيرة والتي يجب أن تكون مكانا لتربية الأطفال على حبّ الوطن وعلى الاحترام والطاعة للأسف فقدت مكانتها الأصلية وتحوّلت إلى صناعة جيل فاسد. تلكم هي حقيقة يقرّها حتى المعلّمون أنفسهم، فالكثير منهم أصبحوا يهابون تلاميذهم خوفا من تعرّضهم لاعتداءات جسمانية على أيديهم إلى درجة أن بعضهم يمنحون نقاطا وفق أهواء ومطالب التلاميذ، والنتيجة أننا حصدنا جيلا فاسدا، فدور المدرسة أساسي بإمكانها أن تخرّج جيلا صالحا إن صلحت، وبما أننا لم نعط للمدرسة مكانتها الحقيقة فمن البديهي أن تعطينا جيلا فاسدا، والنتيجة أن قاتل إيبوسي خرّيج المدرسة الجزائرية. أساتذة بحاجة إلى تربية لكن المصيبة في الواقع المُرّ الذي أصبحت عليه مدارسنا هو المعلّم في حدّ ذاته، حيث أصبح الكثير من الأساتذة مع احتراماتي لهؤلاء بحاجة إلى تربية وتعليم، بل إلى رسكلة ليس في طريقة التعليم، بل في طريقة التعامل مع التلاميذ. فهناك الكثير من المعلّمين وللأسف رموا بأخلاقيات المهنة جانبا وعوّضوها بأمور لا صلة لها بديننا الحنيف وتقاليدنا الإسلامية، لكن الأكثر من هذا كلّه أن هناك من المعلّمين يفتقدون إلى الوعي الديني بتحريض تلاميذهم على العنف وكلّ واحد بطريقته الخاصّة، إمّا بإثارة الفتنة والتعصّب بين التلاميذ وإمّا باعتداءاتهم الجسمانية على التلاميذ. فكم من تلميذ تعرّض للضرب المبرح من أستاذه؟ وكم من تلميذ وجد نفسه فوق سرير المستشفيات؟ ومادامت الأمور أصبحت متشابكة لا الأولياء يقومون بواجباتهم اتجاه أبنائهم ولا التلاميذ يحترمون أولياءهم ولا التلاميذ يقدّسون أساتذتهم ولا هؤلاء يعاملون تلاميذهم معاملة حسنة، لذلك من البديهي أن نحصد اليوم شبابا بعضهم والحقّ يقال أصبحوا عالة على المجتمع الجزائري المسالم، وإلاّ كيف نفسّر طريقة قتل لاعب الشبيبة إيبوسي شرّ قتلة بملعب أوّل نوفمبر بتيزي وزو. الانتشار الرهيب للمخدّرات والمواد المهلوسة غياب الآباء وفقدان المدرسة لهيبتها ساهم في الانتشار الرهيب للمخدّرات والمواد المهلوسة، فأن يصل الأمر إلى انتشار هذه الظاهرة الخطيرة وسط تلاميذ الطور المتوسّط ولا نقول الثانوي والجامعي فهذا الذي ينذر بمستقبل أسود لجيل اليوم. فماذا ننتظر من روّاد الملاعب الكثيرون منهم يدخلون إلى الملعب وهم في حالة سُكر؟ إلى درجة أن البعض من هؤلاء يسألون عن نتيجة اللّقاء بعد نهايته كونه شاهد المباراة وهو في حالة اللاّ وعي. فمن البديهي أن تزهق روح اللاّعب الكاميروني إيبوسي قدِم إلى الجزائر من أجل لقمة العيش، والأغرب من كلّ هذا أن هذا اللاّعب قتل من طرف مناصر محسوب على الفريق القبائلي تناسى أو تجاهل أن هذا اللاّعب الذي قتله شرّ قتلة صنع أفراح فريقه خلال الموسم الماضي، وهو الذي سجّل أهداف شبيبة القبائل الثلاثة هذا الموسم، فأيّ جنون هذا؟ الفأس سقط على الرّأس نكتفي بما سبق ذكره لنقول إن ما حدث في ملعب أوّل نوفمبر بمدينة تيزي وزو هو امتدادا، بل هو حصاد لما زرعناه بالأمس ولازلنا نزرعه اليوم. فلا الآباء يقومون بواجباتهم اتجاه أبنائهم ولا المعلّم يقوم بواجبه اتجاه تلاميذه ولا التلاميذ يحترمون معلّميهم ولا الدولة تقوم بواجبها اتجاه من يعصي أوامرها، والنتيجة مقتل اللاّعب إيبوسي داخل الملعب، وإن بقيت الأمور على ما هي عليه الآن فالقادم سيكون أسوأ. محاربة العنف يبدأ من البيت كما سبق الذكر الفأس سقط على رأس جميع الجزائريين، يجب بل من الضروري على الجهات الوصية التحرّك بسرعة لوضع حدّ ليس ل (إرهاب) الملاعب، بل للواقع المزري الذي آلت إليه المنظومة الاجتماعية في بلادنا. فمحاربة العنف بشتى أشكاله وأنواعه يبدأ من البيت، فيجب على الكثير من الأولياء إعادة النّظر في تربية أبنائهم، وهي التربية التي يجب أن نستمدّها من ديننا الحنيف، فإن صلح البيت صلح المجتمع. نقطة أخرى يجب الوقوف عندها وهو دور الدولة في محاربة العنف بشتى أشكاله، فكيف بها لا تقوم باستئصال العنف في الملاعب وهي التي استأصلت الإرهاب الحقيقي من ربوع الوطن؟ ففي الوقت الذي تقوم فيه الجهات الأمنية ببحث مضني عن قاتل إيبوسي هناك العديد من الرؤوس يجب معاقبتها، أما أن نكتفي بمعاقبة شابّ رمى حجارة قاتلة على رأس إيبوسي فهذا لن يغيّر شيئا من ظاهرة العنف في الملاعب. اقتراحات قد تحدّ من أعمال العنف * توقيف الفريق الذي تتسبّب جماهيره في أعمال عنف خلال الموسم. * تسليط أقصى العقوبات على المتورّطين في أعمال الشغب دون هوادة. * إنزال الفريق الذي يتسبّب جماهيره في العنف. * معاقبة الفريق باللّعب خارج ميدانه ودون جمهور لموسم كامل. * غلق الملعب الذي يشهد أعمال عنف لمدّة سنتين. * حرمان رئيس النادي من مزاولة أيّ نشاط رياضي لمدّة لا تقلّ عن خمس سنوات. * تغريم النادي بمبالغ مالية كبيرة. * تحميل النادي مسؤولية ترميم وإصلاح الملاعب من أيّ أضرار ناتجة من أعمال شغب. * إقالة مدير الملعب. * معاقبة مدير أمن الملعب الذي يشهد أعمال عنف.