تبدو الجزائر في طريقها لاستضافة مؤتمر للمصالحة بين فرقاء الأزمة الليبية على شاكلة اللقاءات التي تتمّ منذ مدّة على أرض بلادنا بين (الإخوة الأعداء) في مالي، ولا تستبعد بعض المصادر أن ترعى الجزائر (المصالحة الليبية) المنتظرة بداية من شهر أكتوبر القادم، بينما تتحدّث مصادر أخرى عن اتّصالات حثيثة تجري في هذا الاتجاه، خصوصا وأن الجزائر باتت الآن قِبلة لكثير من الأشقّاء الذين تواجه بلدانهم ظروفا عسيرة ومعقّدة، على غرار مالي وتونس وليبيا. تشير مصادر موثوقة إلى أن تصريح وزير الخارجية رمطان لعمامرة الذي أكّد فيه أن الجزائر تفتح أبوابها للأشقّاء الليبيين إن أرادوا التصالح تحت رايتها وعلى أرضها يؤشّر على مصالحة ليبية وشيكة في الجزائر، ويؤكّد أن الاتّصالات والمساعي الجارية بهذا الشأن قد قطعت شوطا كبيرا. وفي هذا السياق، كشفت صحيفة (العربي الجديد) القطرية، عن مصادر لم تسمها، أن اتّصالات مكثّفة تجري من أجل تيسير انعقاد مؤتمر الحوار الليبي الذي ستحتضنه الجزائر قريبا. وترى مصادر الصحيفة القطرية ذات التوجه الإخواني أن زعيم (حركة النهضة) التونسية راشد الغنوشي يلعب دورا بارزا في إقناع أطراف ليبية بالمشاركة في الحوار بناء على مبدأ (إسناد الشرعية الانتخابية بشرعية توافقية) على غرار التجربة التونسية، وأن هناك استعدادا ليبيا وقَبولا بالفكرة. وكان الغنوشي قد بعث الأسبوع الماضي برسالة إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يدعّم فيها إجراء الحوار ويشكر الجزائر على مساعيها الرامية إلى وقف الاقتتال. وكان الغنوشي وبوتفليقة قد أعلنا خلال زيارة الأوّل للجزائر الشهر الفارط رفضهما المطلق للتدخّل الخارجي في ليبيا، وشدّدا على أن التدخّل لا يمكن أن يحلّ المشكلة بل سيزيد تعقيدها، وهي الرسالة التي وصلت إلى الأطراف الليبية المتنازعة، فضلا عن الدول الأخرى التي تدرك حجم الجزائر وثقلها، الأمر الذي يزيد من حظوظها في التوصّل إلى لقاء يمكن أن يشكّل أمام الليبيين بداية الطريق للخروج من الاقتتال الدائر. وتسعى الجزائر للعب دور إقليمي عن طريق احتضان المفاوضات بين الفرقاء الماليين منذ الشهر الفارط، وكذا عن طريق عرض احتضان حوار ليبي-ليبي، حيث تدرك الجزائر أن براميل البارود الموجودة على حدودها الجنوبية والجنوبية الشرقية ليست في صالحها ولا هي في صالح دول المنطقة والقارّة الأوروبية عموما في ظلّ فوضى السلاح وتجارته، كما تسعى الجزائر إلى إحداث اختراق في الموقف الداعم للخيار العسكري في ليبيا لوقف (عسكرة) القضية الليبية التي تسعى أطراف عديدة إلى (تعفينها)، وهو ما تريده الجماعات الدموية كتنظيم (داعش) ومختلف المليشيات المسلّحة. للإشارة، فقد عرضت الجزائر، رسميا، على الفرقاء في ليبيا احتضان حوار شامل في العاصمة الجزائر لحلّ الأزمة التي تعصف بالبلاد وتهدّد بتمزيقها منذ سقوط نظام القذافي العام 2012. وقال وزير الشؤون الخارجية رمطان لعمامرة خلال مؤتمر صحفي مع نظيره البرتغالي روي شانسيريل دي ماشيت بالجزائر العاصمة: (الجزائر لن تمانع أيّ حلّ بأيّ كيفية ممكنة ومحبّذة يقترحها الليبيون أنفسهم، وإذا استقرّ الرأي لدى الليبيين أنفسهم على أن الجزائر كدولة شقيقة ومجاورة هي التي من الممكن أن تستضيف لقاءات على اختلاف أنواعها معهم في سبيل التوصّل إلى حلّ يتمّ في ليبيا نفسها، فالجزائر لن تمانع). وأوضح لعمامرة: (الجزائر موقفها واضح يدعو إلى حوار وطني وإلى مصالحة وطنية في ليبيا، وكذلك إلى إعطاء الفرصة للمؤسسات المنتخبة لكي تكتسب المزيد من المشروعية من خلال جمع الشمل). ووفق رئيس الدبلوماسية الجزائرية (الأزمة الليبية أزمة معقّدة والجزائر تنظر إليها على أنها شأن داخلي ليبي وذلك انطلاقا من المبدأ الثابث للجزائر والقاضي بعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول لكنها [الجزائر] لن تقف مكتوفة الأيدي في وقت تزداد فيه الأزمة في ليبيا تعقّدا من منطلق المصير المشترك بين البلدين والتاريخ الحافل بالتضامن). وأضاف الوزير لعمامرة (إنه من منطلق هذه المبادئ فالجزائر لن تقف عند الاستماع إلى مختلف الفرقاء الليبيين وتقديم النصيحة لهم بالاحتكام إلى إرادة الشعب الليبي الشقيق، بل تعمل على إعادة بناء اللحمة والاستفادة من فرص التحوّل الديمقراطي من خلال الحوار الوطني).