لم يعد غريبا بالمرّة أن تحطّم أسعار الكباش أرقاما قياسية جديدة عند كلّ عيد أضحى جديد· ففي بلادنا عندما يقترب موعد العيد الكبير يتحوّل ملايين الشباب إلى تجّار أغنام، وتتحوّل الملايين المتبقّية إلى مشترين لما يعرضه الباعة الذين يحرصون كلّ الحرص على ملء جيوبهم أكثر من حرصهم على إسعاد إخوانهم، تماما مثلما يحرص معظم المشترين على اقتناء كباش بقرون طويلة تسمح لهم بالتباهي بين الجيران أكثر من حرصهم على إحياء سنة سيّدنا إبراهيم الخليل· والواقع أن بلوغ أسعار بعض الكباش سقف العشرة ملايين سنتيم وبلوغها في بعض الأحيان أضعاف هذا الثمن لم يعد بالأمر الغريب، وهو يشير إلى استمرار انحدار سلّم القيم الرّوحية في المجتمع· فكلّما زاد بُعد الجزائريين عن المقاصد الحقيقية لعيد الأضحى زادت أسعار الكباش ارتفاعا لأن شراء الكباش يصبح غاية في حدّ ذاته وليس مجرّد وسيلة للتقرّب إلى اللّه وإحياء سنّة مؤكّدة· وحين تصبح قرون الكبش تباع وحدها ويتفاوض بشأنها البائع والمشتري أكثر من تفاوضهما بشأن الكبش نفسه يكون من الطبيعي أن يبلغ سعر الكبش عشرين مليون سنتيم أو ثلاثين، بل إن بعض الكباش بيعت بقرابة الخمسين مليونا لمجرّد أنها تمتلك قرونا خارقة للعادة، مع أن القرون تصبح بلا قيمة بمجرّد أن يتمّ نحر الكبش· ومادامت قرون الكباش قد أصبحت ثمينة إلى الحدّ الذي يجبر أرباب بعض العائلات على استدانة مبالغ مالية كبيرة لاقتنائها، فقد أصبح بإمكاننا القول إن الكباش هي من يذبح الجزائريين هذا العيد، وليس العكس· وحتى نكون أكثر إنصافا يجدر بنا القول إن الجزائريين باتوا يذبحون أنفسهم بقرون الكباش حتى قبل أن يشتروها، ثمّ يزعمون أن الباعة قد ذبحوهم بأسعار ما كانت لتبلغ ما تبلغه لو نظرنا إلى الكباش كأضحية عيد وتوقّفنا عن النّظر إليها كوسيلة للتسلية والزّوخ·