هل هناك قانون ينظّم عمل عمال القطاع الصحّي؟ بالفعل القطاع الصحّي كغيره من القطاعات الأخرى يخضع لمنظومة قانونية خاصّة فيما يتعلّق بتسيير المرافق الصحّية العمومية أو ما تعلّق بعمال وموظّفي القطاع، ومن هذه القوانين القانون الأساسي لموظّفي الصحّة العمومية المؤرّخ في 24 نوفمبر 2009 والمرسوم التنفيذي رقم 92/ 276 المؤرّخ في 6 جوان 1992 المتضمّن مدوّنة أخلاقيات مهنة الطبّ في الجزائر. * إذا كان هناك قانون ينظّم سير القطاع الصحّي فمن المسؤول عن التجاوزات الحاصلة في الكثير من المستشفيات العمومية خاصّة؟ *** التسيّب والإهمال الحاصل هي سلوكات مخالفة للقانون يتحمّل مسؤوليتها كلّ من له سلطة أو مسؤولية في المؤسسات الاستشفائية، هذا إلى جانب وزارة الصحّة وموظّفي وعمال القطاع. * هل ينصّ القانون الجزائري على عقوبات واضحة للمسؤولين عن هذه التجاوزات؟ *** هنا يجب تحديد المسؤوليات أوّلا، إذا كانت هذه التجاوزات صادرة عن طبيب أو ممرّض أو مسؤول فهو مسؤول قانونيا عن أفعاله والعقوبة تكون حسب جسامة الخطأ، كما يجب تفعيل العقوبات التأديبية في حقّ المسؤولين عن هذه التصرّفات أو التجاوزات، كما أن مجلس أخلاقيات الطبّ يكون له وظيفة رقابية على تسيير المرافق الصحّية العمومية. * ماذا عن العقوبات المقرّرة للأخطاء الطبّية؟ *** هنا يجب التمييز بين الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي في العقوبة، والمسؤولية الجزائية تترتّب على الخطأ الشخصي للطبيب وتخضع لمبادئ القانون العام، أي قانون العقوبات، ونذكر على سبيل الحصر المادة 288 من قانون العقوبات التي تنصّ على أن يعاقب بالسجن من 6 أشهر إلى 3 سنوات كلّ من قتل خطأ أو تسبّب في ذلك برعونته أو عدم احتياطه أو انتباهه، وتدخل في هذا المجال الأخطاء الطبّية المؤدّية إلى ذلك. كذلك المادة 289 من قانون العقوبات تعاقب على إلحاق جرح أو مرض بشخص نتيجة الرعونة وعدم الاحتياط، ومن هنا يجب توفّر عناصر الإهمال والرعونة وعدم الاحتياط، كذلك عدم تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر والتأخّر في إسعاف المريض يعاقب عليها القانون. * هل ترى أن العقوبات المقرّرة كافية لوضع حدّ لما صار يعرف بالجرائم الطبّية التي وقعت وما تزال مستمرّة في الكثير من المناطق؟ *** مشكل العقوبات التي يعتمدها القانون الجزائري في مثل هذه الحالات أنها ليست مقرّرة في القانون العام، فليست هناك مواد قانونية تحدّد عقوبات خاصّة بمهنة الطبّ وإنما هي مستمدّة من القانون العام. فالعقوبات التي سبق ذكرها لا تنطبق على الطبيب فقط وإنما هي عقوبات عامّة يمكن إسقاطها على الطبيب، لذلك فإنه لا يمكننا أن أن نحكم إن كانت كافية أم لا. * هناك بعض الأطبّاء العامّين يفتحون عيادات متخصّصة وهذا أمر شائع ويجري في العلن في بعض ولايات الوطن، هل هناك صيغة قانونية تنظّم عمل مثل هؤلاء الأطبّاء كأخذ الكفاءة أو التجربة بعين الاعتبار مثلا؟ *** تمّ فتح القطاع الصحّي للمستثمرين الخواص في بداية التسعينيات، وقد بلغ عدد العيادات الخاصّة أكثر من 500 عيادة حسب إحصائيات وزارة الصحّة، وفتح العيادات الخاصّة يخضع لشروط جاءت ضمن مدوّنة أخلاقيات مهنة الطبّ. كما تجدر الإشارة إلى أن وزارة الصحّة أصدرت قرارا وزاريا ينصّ على منع الأطبّاء من العمل في القطاع العام والخاص معا من أجل تعزيز الخدمات الصحّية المقدّمة للموطنين في المراكز الصحّية العمومية وتجنّب الإهمال والتسيّب، وهناك حالات كثيرة لازالت تعمل في الجهتين والقرار لم يطبّق بعد، أمّا بالنّسبة للحالة التي تكلّمت عنها فإن نشاط هؤلاء الأطبّاء غير قانوني لأن شهادة التخصّص من شروط ممارسة الطبّ المتخصّص ولا يجوز للطبيب أن يمارس نوعا من الطبّ غير متخصّص فيه. * يقال إن محاكمات ضحايا الأخطاء الطبّية عادة تستمرّ لسنوات طويلة تفوق 13 سنة أحيانا وتكون التعويضات زهيدة، ما رأيك في هذا؟ مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأخطاء الطبّية قد تؤدّي إلى بتر أو استئصال أعضاء أو تعطيل وظائف حيوية وتكون التعويضات بالرغم من ذلك زهيدة... *** كما سبق الإشارة إليه فإن الأخطاء الطبّية من الصعب بما كان إثباتها، لأن مسؤولية إثبات الأخطاء تكون على عاتق المريض، أي هل أن الضرر الذي أصابه ناتج فعلا عن خطأ طبّي، وهنا يجب أن نميّز بين الخطأ الإنساني كالإهمال والرعونة، أي مخالفة قواعد أخلاقيات الطبّ أو خطأ تقني مثل الخطأ في تشخيص المرض والعلاج المقدّم وإجراء التحاليل، وفي هذه الحالة ولصعوبة تحديد الخطأ فإن القضاة غالبا ما يلجأون إلى تعيين خبراء لتحديد الخطأ والأضرار ونسبة العجز، لهذا تطول هذه القضايا وغالبا ما تكون في غير مصلحة المريض المغلوب على أمره، خاصّة عند طلب خبرة مضادّة والخبير في نهاية الأمر هو طبيب. أمّا التعويض فإنه يكون بالاعتماد على النسبة المعمول بها في التعويضات عن حوادث المرور والأمراض المهنية وما إلى ذلك، فالخبير يحدّد نسبة العجز الكلّي المؤقّت والجزئي الدائم والضرر التألّمي والجمالي، ويكون التعويض وفقا ذلك وغالبا ما يكون زهيدا، لكن ما يمكن قوله في هذه النقطة بالذات هو أنه على المشرع أن ينتبه إلى هذا الفراغ القانوني وينصف ضحايا الأخطاء الطبّية برفع سقف التعويضات لأن صحّة الإنسان غالية ولا تعوّض بثمن.