احتفل المسلمون في كافة ربوع الأرض بحلول عام هجري جديد رقمه (1436) في التقويم الهجرى الذي أنشأه الخليفة عمر بن الخطاب، حينما جعل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة في 22 ربيع الأول (24 سبتمبر لعام 622 ميلادي) مرجعا لأول يوم في السنة الهجرية، والذي وافق يوم الجمعة الأول من محرم سنة واحد هجريا الموافق 16 جويلية عام 622. ورغم مرور1435عاما ، فما زالت الهجرة باقية ومستمرة ولم تنقطع إلى أن تطلع الشمس من مغربها، فهي هجرة القلوب والأرواح والأماكن، هجرة شاملة يهاجر فيها المسلمون لطلب كل ما هو محمود والبعد عن كل ما نهى الله ، ومع بداية كل عام هجري تتجدد ذكرى الهجرة النبوية الشريفة من مكةالمكرمة إلى المدينةالمنورة بعدما ضاقت مكة بالإسلام، ذلك الحدث التاريخي المبارك الذي أشعت أنواره وعم خيره وجاءت لترسي حجر الأساس في الدولة الإسلامية، وتؤسس لمرحلة جديدة في حياة الإسلام والمسلمين. أرست الهجرة النبوية عدة دروس حري بالمسلمين أن يتوقفوا عندها ويطبقوها في حياتهم الخاصة والعامة، حيث جاءت الهجرة ختاما لفصول محزنة تصارع فيها الحق والباطل وكانت بداية لمعارك أخرى بشكل جديد، وهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم لها مدلولات في حياة الفرد المسلم والجماعة الإسلامية ولابد من أخذ العبر والدروس منها للاستفادة في الواقع الذى لن يصلح إلا بما صلح به شأن المسلمون الأول. عام هجري جديد يؤكد استمرار الهجرة في العقول والأرواح واستلهام التاريخ والقيم، إنها مناسبة للوقوف مع النفس واستخلاص الدروس والاستفادة منها عمليا وتطبيقها على واقع نعيش فيه حاليا، فيه مسلمون ينتمون إلى الإسلام ولكنهم ضلوا بأن جعلوا لله ندا بتوجيه شكواهم ونجواهم وأمورهم لغيره سبحانه وهنالك للأسف من يتخذ من الإسلام شعارا يطبق به أشياء ما أنزل الله بها من سلطان. والتقويم القمري الإسلامي (الهجري) أقصر من السنة الميلادية ب11 أو 12 يوما، ويأتي شهر محرم في مواسم وفصول مختلفة من السنة الميلادية، وتعتمد بداياته والشهور العربية الأخرى على رؤية الهلال الجديد عند غروب شمس اليوم السابق له يوم 29، ويتكون التقويم الهجري من 12 شهرا قمريا والسنة الهجرية تساوي 354 يوم تقريبا، والشهر في التقويم الهجري إما أن يكون 29 أو 30 يوما، والتقويمان الهجري والميلادي لا يتزامنان. التقويم الهجري القمري أو التقويم الإسلامي هو تقويم يعتمد على دورة القمر لتحديد الأشهر، ويستخدمه المسلمون في تحديد المناسبات الدينية تتخذه بعض الدول العربية (السعودية) تقويما رسميا لها فتوثق به المكاتبات الرسمية بين دوائر الدولة الرسمية، والبعض الآخر مثل مصر يستخدم التقويمين جنبا إلى جنب، إلا أن عامة الدول الإسلامية تألف التقويم الميلادي عن التقويم الهجري. ولم تظهر الهجرة على صفحة التاريخ فجأة بل سبقها الكثير من الدوافع التي دفعت بها، وكانت هناك هجرتان الأولى إلى الحبشة والثانية إلى يثرب بالمدينةالمنورة، والهجرة إلى الحبشة كانت بخروج 11 رجلا و4 نساء هروبا من اضطهاد المشركين وسادة قريش، وكانت تلك الهجرة مقدمة إلى هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يثرب حيث لم تدم هجرة المسلمين الأولى للحبشة طويلا فعادوا إلى أرض هجرتهم (إلى مكة) بعد أن بلغتهم إسلام عمر بن الخطاب الذي قوى من موقف المسلمين. * الهجرة الثانية أما الهجرة الثانية فهي هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينةالمنورة مع صاحبه أبو بكر الصديق، حيث فشلت محاولات قريش في تتبعه، وغادر الرسول مكة يوم الخميس 27 صفر الموافق 9 سبتمبر عام 622م، ومكث ثلاثة أيام في غار ثور بالقرب من مكة، ثم اتجه إلى يثرب ووصل إلى قباء بالقرب من المدينةالمنورة ومكث فيها عدة أيام. وفي اليوم 16 للهجرة الموافق الجمعة 13 ربيع الأول الموافق (24 سبتمبر 622م) كانت زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم الأولى إلى المدينة لأداء صلاة الجمعة، وفي اليوم ال26 من الهجرة الموافق الإثنين 23 ربيع الأول غادر الرسول صلى الله عليه وسلم قباء واستقر في المدينةالمنورة. هجرة النبى صل الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة كانت حدثا تاريخيا عظيما، وكانت فيصلا بين مرحلتين من مراحل الدعوة الإسلامية، فقد غيرت الهجرة النبوية مجرى التاريخ حيث تمتلئ بالكثير من الدروس والعبر والحكم والأسرار التي ترسم للمسلمين المنهج المبين في بناء المجتمع الإسلامي، فحملت في طياتها معاني التضحية والصحبة، والصبر والنصر، والتوكل والإخاء، وجعلها الله طريقا للنصر والعزة، ورفع راية الإسلام، وتشييد الدولة الإسلامية. لقد تعرض _ صلى الله عليه وسلم - للابتلاء الشديد والمحن فقد آذاه قومه بكل أنواع الإيذاء، واستخدموا معه كل ما استطاعوا لإخماد دعوته، ومن أواخر المكائد كان اتفاقهم على قتله في فراشه، حيث اجتمع رجال من قريش وتشاوروا في أمره. وجاء أمر الله بالهجرة وسلك النبى صلى الله عليه وسلم بصحبة أبي بكر الصديق قبل الفجر، وانتهت الرحلة والهجرة المباركة بما فيها من مصاعب وأحداث، ليصل النبي صلوات الله عليه إلى أرض المدينةالمنورة حيث استقبله المؤمنون بالفرح واستبشروا بقدومه صلى الله عليه وسلم، وسمى الرسول صلة الله عليه وسلم يثرب المدينةالمنورة وسمى أهلها بالأنصار وبنى فيها أول مسجد في الإسلام، فقد مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد أن هاجر إليها عشر سنين حتى وافته المنية.