بقلم: محمد سيف الدولة في أعقاب الحرب العالمية الأولى 1914 1918، اجتمع المنتصرون في قصر فرساي بفرنسا، لاقتسام بلادنا كغنائم حرب، فوقعت مصر في نصيب بريطانيا، التي كانت تحتلها بالفعل منذ 1882، ووقعت فلسطين هي الأخرى في نصيبها أيضا، بعد أن كانت الجيوش البريطانية قد دخلتها عام 1917. o في الوقت ذاته، أعطى وزير الخارجية الإنجليزي، آرثر جيمس بلفور، للمنظمة الصهيونية العالمية في الثاني من نوفمبر 1917 وعده الشهير بحق اليهود في إنشاء وطن قومي لهم في فلسطين، وهو الوعد الذي تم تحويله إلى قرار دولي في نصوص صك الانتداب البريطاني على فلسطين الصادر عام 1922. o أما هنا في مصر، وفي خضم ترتيبات وتسويات ما بعد الحرب، طالب الزعيم الوطني سعد زغلول ورفاقه، بالمشاركة في مؤتمر فرساي لعرض (المسألة المصرية) والمطالبة بالاستقلال. وهو ما رفضته سلطات الاحتلال، وقامت باعتقالهم ونفيهم إلى جزيرة مالطة ثم إلى جزيرة سيشل بعد أن رفض مؤتمر اللصوص بباريس، الطلبات المصرية، مما فجر ثورة شعبية، ما زلنا نفتخر بها حتى يومنا هذا، بل ونتناولها كأحد المحطات الرئيسة في كفاح الشعب المصري ضد الاحتلال الانجليزي. o لم تنجح ثورة 1919 في تحرير مصر، وإن مثلت محطة هامة على الطريق الطويل الذي انتهى بتحقيق الاستقلال الكامل عام 1956. o وذهب الإنجليز إلى غير رجعة عن مصر، كما ذهب الفرنسيون والإيطاليون عن باقي أقطارنا العربية، ونسينا جميعا هذه المرحلة من تاريخنا، رغم أن آثارها لا تزال ممتدة حتى اليوم. o ولكن فلسطين ظلت محتلة بالإنجليز حتى عام 1948، وبالصهاينة بعد ذلك. o ولم يكن المشروع الصهيوني الغربي 1917 2014 وبالاً على فلسطين فقط، بل كان لعنة أصابت الوطن العربي بأكمله، فهو العدوان الأخطر في تاريخنا الحديث، والقضية المحورية في حياتنا جميعا على امتداد ثلاثة أجيال متعاقبة. o ولو كان هناك في بدايات القرن العشرين، من يستطيع أن يقرأ المستقبل ويعلم الغيب، لأدرك أن وعد بلفور سيكون أشد خطرا وتأثيرا على مستقبل بلادنا من كثير من الأحداث التي زامنته، بما فيها أحداث نفي سعد زغلول، واندلاع ثورة 1919. o ولكن لأن الغيب في علم الله سبحانه وتعالى، فإن ما حدث منذ قرن من الزمان هو أن الرأي العام في مصر لم ينتبه إلى خطورة المشروع الصهيوني على مستقبلنا جميعا، واكتفى بالتركيز على استقلال مصر فقط، بدون الربط بينه وبين باقي القضايا العربية، رغم أن العدو واحد، وجريمة التقسيم واحدة. o ربما لو كانت الناس حينذاك في مصر والوطن العربي قد انتبهوا إلى خطورة ما يجري، وقاوموه بحركة (تحرر عربية موحدة) وليست مصرية أو قطرية فقط، لتغيرت حياتنا تماما عما نحن فيه الآن. *** والغريب أننا كررنا ذات الخطأ التاريخي مرة أخرى بعد تفجر ثورات الربيع العربي، فبدلا من أن نحتضن القضية الفلسطينية وندعمها ونوحد نضالنا في ثورة عربية واحدة وشاملة على جبهات متعددة، إذ بنا نستمر في تهميشها خوفا من المجتمع الدولى وجريا وراء اعترافه، ونرفع شعار(لا وقت لفلسطين الآن، دعونا نبني نظمنا الثورية الجديدة أولا). وما زلت أتذكر، وياللخسارة، حالة الخوف والرفض والصد والانزعاج التي استقبلت بها القوى (الثورية) في مصر باختلاف تياراتها، دعوة الشباب العربي في أفريل 2011 لانتفاضة فلسطينية ثالثة في الأرض المحتلة، لنكتشف متأخرا أن إسرائيل ومجتمعها الدولي وحلفاءها العرب لن يمهلونا، بل سارعوا جميعا بالانقضاض على فلسطين والثورات العربية معا. *** إن ما مضى لا يمكن تغييره، ولكن لا يزال المستقبل بأيدينا، ولا يزال أمامنا فرصة أن نتعلم من تجاربنا وأخطائنا. إن الأرض العربية مشتعلة الآن بصراعات وحروب لا ناقة لنا فيها ولا جمل، أما معاركنا الحقيقية فمهجورة ومهمشة؛ الاحتلال فى فلسطين بكل جرائمه من قتل وإبادة وحصار واعتقال واستيطان وتهويد وابتلاع للمقدسات، وسلاح المقاومة ورقبتها مطلوبة إسرائيليا وعربيا ودوليا رغم ما حققته من نصر في الحرب الأخيرة، وإسرائيل تحوّلت إلى القوة الإقليمية العظمى في المنطقة. ومن ناحية أخرى تنقض الثورات المضادة على الربيع العربي بالعصف أو بالاحتواء، والحروب الطائفية تشتعل في مشارق الأرض العربية ومغاربها، والاقتتال العربي العربي قائم على قدم وساق، وفي كل ذلك المايسترو واحد، وهو الحلف الغربي الصهيوني، بالتواطؤ مع النظام الرسمي العربي تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية، بينما نواجههم نحن منفردين معزولين كل في قُطرِهِ وساحته ببرامج وأجندات محلية ضيقة ومحدودة! فهل نبدأ بمراجعة أفكارنا ومشروعاتنا الفكرية والسياسية، ونبحث فى كيفية توحيد استرايجيات المقاومة والمواجهة الشعبية فلسطينيا وعربيا؟