غداة بروز النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية التونسية يطرح تساؤل هام من يقدر على كسب القوة الثالثة التي انبثقت عن الانتخابات الرئاسية التونسية والمتمثلة في الجبهة الشعبية ذات التوجه اليساري؟. وفيما سيعمل الباجي قايد السبسي على كسب 10 نقاط زيادة على النسبة المحققة للفوز بالدور الثاني فيما يتطلب الأمر من المرزوقي الحصول على ما يناهز 15 بالمائة من النقاط. وتتوجه الأنظار إلى كتلة الجبهة الشعبية اليسارية الانتخابية التي حلّ مرشحها الرئاسي ثالثا، باعتبار أنه سيتمكن من يكسبها إلى صفه من عبور الدور الثاني. ومن الناحية النظرية، يعتبر الرئيس المنصف المرزوقي قريبا من الأوساط اليسارية، فقد ناضل طويلا مع قيادات منها في الرابطة التونسية حقوق الإنسان طيلة ثمانينات القرن الماضي إلى عام 1994، إلا أن تناقضات ما بعد نتائج انتخابات أكتوبر 2011 التي فازت بها حركة النهضة وانخراط حزب المرزوقي السابق، المؤتمر من أجل الجمهورية، في حكومة الترويكا مع حركة النهضة ذات التوجه الإسلامي، وحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، قد أحدث شرخا في تلك العلاقة (التاريخية). ويعتبر كثير من مناصري الجبهة الشعبية حركة نداء تونس جزءا من المنظومة القديمة، وقد لا يستسيغون معاودة الالتقاء معها بعد أن دخل رئيس حزب نداء تونس إثر تشكيل جبهة الإنقاذ في مفاوضات مع رئيس حركة النهضة بدأت باللقاء الذي تمّ في باريس بين راشد الغنوشي ورئيس حركة نداء تونس الباجي قايد السبسي دون استشارة شريكه في جبهة الإنقاذ، الجبهة الشعبية. إلا أن نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة التي أعطت الجبهة الشعبية المرتبة الرابعة ب15 مقعدا وفتحت أمامها أبواب الحكم لتشكيل تحالف مع حركة نداء تونس، الفائزة بالانتخابات التشريعية وينتظر تكليفها بتشكيل الحكومة المقبلة، قد يشجع عليه وجود كثير من (رفاق الدرب) القدامى مع قايد السبسي، مما (يغري) باستكمال المشهد بمساندة الباجي قايد السبسي في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية. لكن تسوية ضعيفة الاحتمال قد تدفع الجبهة الشعبية إلى التصويت للمرزوقي ورفض التحالف مع نداء تونس في الحكومة مما سيؤدي إلى استحالة تشكيل الحكومة على نداء تونس، فوفقا للمادة 89 من الدستور، إذا مرّ شهران على تكليف رئيس الجمهورية مرشح الحزب أو الائتلاف المتحصل على أكبر عدد من المقاعد بمجلس النواب، ولم يتمكن من تشكيل الحكومة أو نيل ثقة مجلس الشعب يقوم رئيس الجمهورية في أجل عشرة أيام بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر . ويفتح مثل هذا السيناريو الباب أمام عودة ما سماه مدير حملة الرئيس المرزوقي جبهة 18 أكتوبر في مواجهة جبهة 7 نوفمبر. الرئيس المرزوقي توجه بدعوة في مقر حملته إثر بروز نتائج أولية ترجح ترشحه للدور الثاني إلى القوى التي ناضل معها من أجل دولة ديمقراطية إلى الالتفاف حوله ، واعتبر أن هذه القوى تحمل همومه وهموم 30 سنة من النضال من أجل بناء دولة الديمقراطية والحرية والمسألة الاجتماعية مذكرا إياها بأنه طبيب الفقراء في إشارة واضحة إلى أنه يوجه الكلام إلى الجبهة الشعبية والعائلة الاجتماعية الديمقراطية لمساندته أمام الباجي قايد السبسي. لكن تركيز قادة نداء تونس في تصريحاتهم على تفضيلهم التحالف في الحكومة المقبلة مع من يشبههم في قضية الحداثة والدولة المدنية وفي إيمانهم ب فصل الدين عن الدولة ، في إشارة إلى الجبهة الشعبية، يجعل من الأخيرة تجرب الحكم لّأول مرة بعدما عاشت لعقود في المعارضة سيما أن قادتها ما فتئوا يقولون منذ أكثر من ثلاثة سنوات إنهم أصبحوا يتمنون الحكم وليس البقاء كائتلاف معارضين أبديين لا يحسنون إلا قول لا . ولن يكون ثمن الحكم سوى مساندة الباجي قايد السبسي في الدور الثاني لانتخابات الرئاسة. فهل ينجح المرزوقي في تشكيل التحالف الضروري لمنافسة مرشح بينت الانتخابات التشريعية والدور الأول من الرئاسية أن له جهازا انتخابيا فعالا؟ أم تُبدّد الرغبة في الحكم لدى الجبهة الشعبية وبقية القوى التي خسرت الدورة الأولى من الانتخابات حلم محمد المنصف المرزوقي في الاستمرار بقصر قرطاج مغوي الرؤساء ومطمح الزعماء؟.