اختلفت المعطيات والأسباب وتنوّعت أطراف المعادلة، لكن الإضراب يبقى الوسيلة المتّفق عليها بين عمال وموظفي قطاع التربية لافتكاك حقوقهم وتلبية مطالبهم، حيث أثبتت الأيّام أن جلسات الحوار التي جمعت الوزيرة بن غبريط مع الشريك الاجتماعي (حوار طرشان) وجاءت نتائجه عكسية، فبدل أن يساهم في تهدئة النقابات أجّج غليلهم وها هم ينتفضون تباعا. بعد أن أصبحت الاحتجاجات والإضرابات اللّغة التي تخاطب بها النقابات وزارة بن غبريط قرّر المجلس الوطني لمستخدمي التدريس للقطاع الثلاثي لأطوار التربية الوطنية (الكناباست) دعوة قواعده إلى الدخول في إضراب وطني يومي 8 و9 ديسمبر القادم، في أوّل ردّ فعل على لقائه الأخير مع وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريط، والتي لم تتجاوب مع المطالب المرفوعة للنقابة الموسّعة، والتي أصبحت تضمّ قطاعات التعليم الثلاثة وبإمكانها زعزعة القطاع شأنه في ذلك شأن اللّجنة الوطنية لموظفي المصالح الاقتصادية التي قرّرت مواصلة الإضراب المفتوح، ليتحدّى المقتصدون بذلك قرار العدالة وتهديدات وزيرة التربية بمعاقبة المقتصدين المضربين وفصلهم من مناصب عملهم، وغير بعيد عن ذلك قرّر أساتذة التعليم الابتدائي مقاطعة جلسات بن غبريط مستقبلا بعد حادثة سوء البرمجة التي طالتهم. نقابة الكناباست تشقّ عصا الطاعة وتعلن الإضراب ندّد بيان لنقابة (الكناباست)، تحوز (أخبار اليوم) على نسخة منه، بالممارسات البيروقراطية إن على المستوى الوطني أو المحلّي التي تهدف أساسا إلى المساس بمكتسبات الأساتذة، ممارسات صادرة في أغلبها من مكلّفين وموظفين لا رادع لهم، بل هم عبء على قطاع التربية -تقول نقابة (الكناباست)-، فكم من مناصب للترقية تمّ هدرها وكم من سنة مرّت دون استفادة الأساتذة من أيّ ترقية، ناهيك عن عدم فتح أيّ منصب جديد لهذا الغرض وكم من تعليمة ومنشور يناقض محتواها نصوصا قانونية قد تكون مرسوما أو حتى قانونا، وكم تأجيلا وتأخيرا لمستحقّات مالية قد يصل إلى الأعوام وكم وكم... وفي السياق، يتمسّك المجلس الوطني بحقّ الأساتذة في الترقية المباشرة إلى غاية 2017 تعويضا عن الضرر الذي لحقهم، خاصّة من تتوفّر فيهم شروط الترقية جرّاء عدم فتح مناصب مالية للترقية منذ استحداث رتبتي أستاذ رئيسي وأستاذ مكوّن منح فيها القانون سهولة الاستفادة منها، بالإضافة إلى عدم تنظيم امتحانات مهنية للترقية. وكان اللقاء الذي جمع النقابة المذكورة قد انتهى كما بدأ، خاصّة فيما يخص المطلب الرئيسي للنقابة والمتعلّق بإدماج الفئات الآيلة للزوال في الرتب المستحدثة، حيث أكّدت الوزيرة في ردّها على المطلب أن هذه القضية لا يمكن أن تحلّ إلاّ في إطار التعليمة 004 المؤرّخة في 06 / 07 / 2014 والتعليمة المتمّمة لها الصادرة في 22 / 09 / 2014، مع إمكانية فتح مجال التكوين سنة 2015 للذين تخلّوا عن التكوين من أجل ترقيتهم إلى الرتب القاعدية فقط، وهو ما يعني ضمنيا رفض وزارة بن غبريط اعتماد مبدأ الترقية الآلية إلى الرتب المستحدثة في الأطوار الثلاثة والاكتفاء بتنظيم مسابقات سنوية للترقية في حدود المناصب التي تفتحها الوزارة، وهو الأمر الذي رفضته النقابة. أمّا قضية الأساتذة التقنيين بالثانويات فقد طالبت النقابة بضرورة تسوية الإجحاف الذي مسّ هذه الفئة منذ عشرات السنين، وهذا بإدماجهم في الرتب القاعدية واستفادتهم من الرتب المستحدثة وذلك بتثمين الخبرة المهنية. ومنه قرّر المجلس الوطني للنقابة الدخول في حركة احتجاجية تتمثّل في إضراب يومي 08 و09 ديسمبر 2014 لمطالبة وزارة التربية الوطنية والسلطات العمومية بالتكفّل الحقيقي بمطالب المدرّسين التي لازالت تراوح مكانها مند سنوات. كما عبّرت النقابة عن تضامنها مع المقتصدين المضربين رافضة إجراءات العقاب المستعملة ولجوء الوزارة إلى المحاكم لاستصدار أوامر قضائية لا يمكن أن تحلّ المشاكل، بل تؤجّلها فقط إلى حين، حسب ما جاء في نفس البيان. المقتصدون يثورون ومعلّمو الابتدائي يقاطعون على ذكر المقتصدين قرّر موظفو المصالح الاقتصادية مواصلة إضرابهم المفتوح، ليتحدّوا بذلك قرار العدالة وتهديدات وزيرة التربية بمعاقبة المقتصدين المضربين وفصلهم من مناصب عملهم، وهي مجرّد استفزازات، حسب ممثّلي التنظيم (لن تجرؤ الوصاية على تنفيذها لأنها متيقّنة من أن أيّ مساس بالمضربين سيحدث ثورة في القطاع، لأن عدوى الإضرابات ستنتقل إلى جميع الأسلاك والنقابات وحتى جمعيات أولياء التلاميذ). ودعت اللّجنة الوطنية لموظفي المصالح الاقتصادية أوّل أمس المسؤولة الأولى عن القطاع إلى مراجعة طريقة تعاملها مع نقابات القطاع، لا سيّما لجنة المقتصدين للحفاظ على ما بقي من استقرار القطاع، حسب ما جاء به بيان للّجنة، وقالت إنه على بن غبريط أن تحذر من محيطها داخل الوزارة (لأنه سيؤدّي بها إلى التهلكة بسبب المغالطات التي تسوق لها وتقف وراء قراراتها غير المسؤولة ولا المدروسة). وقبلهم كان معلّمو الابتدائي قد قرّروا مقاطعة جلسات بن غبريط مستقبلا، حيث تسبّب سوء البرمجة في تأجيج غضب النقابة التي استنكرت تصرّف ممثّلي وزارة التربية الذين رفضوا استقبالهم مؤخّرا رغم وجود مراسلة تلقّوها عبر الفاكس، اطّلعت (أخبار اليوم) على محتواها، تدعوهم إلى الاجتماع بالوزيرة في إطار اللقاءات الدورية مع الشركاء الاجتماعيين للاستماع إلى مشاكل القطاع، لكنهم تفاجأوا عند وصولهم إلى مقرّ الوزارة بخبر أنهم غير مبرمجين في ذلك التاريخ، الأمر الذي أثار حفيظتهم ودفعهم إلى مقاطعة هذه الجلسات مستقبلا. فإلى متى يبقى اللّجوء إلى الإضراب هو اللّغة الوحيدة للوصول إلى الحلول؟ ولماذا لا تعمد الوزارة إلى ولوج شراكة حقيقية مبنية على الاحترام المتبادل والتشاور والتعاون من أجل إيجاد الحلول لكلّ المشاكل التي تعترض السيرورة الحسنة لتمدرس أبنائنا التلاميذ؟ سؤال يبحث عن جواب شافي قد يشفى معه قطاع التربية الذي يعاني باعتراف الوزيرة بن غبريط مؤخّرا.