تواصل أخبار اليوم نشر الحوار المثير الذي يتحدث فيه الكاتب جيورجيو. س. فرانكل عن التكالب الصهيوني على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبعد أن تناول في الجزء السابق تشبث الصهاينة بفلسطين، يستعرض في هذا الجزء الأخير أسباب خوف الغرب من معاقبة إسرائيل.. سيلفيا كاتوري: مع أن إسرائيل لا تبدو في موقف ضعف بل مهيمنة. إنها لا تعاني من الأزمة الاقتصادية، فعملتها قوية ومستقرة. وهي تواصل إثبات وجودها في العالم، بعدم تقديم تنازلات ومواصلة سياستها في التطهير العرقي للفلسطينيين دون تعثر. بل هي قادرة ايضا على المطالبة بمزيد من التنازلات المهينة، لتجعل من المستحيل حل أي من المشاكل التي خلقتها لجيرانها العرب. على الرغم من خطورة الجرائم خلال أكثر من 60 عاما، فإن إسرائيل لم تعاقب، بل وتتودد اليها حكوماتنا. إذا كان لإسرائيل أن تتصرف بتحد وغطرسة وتتحدى القوى العظمى، فلا بد أن هناك سببا سريا يسمح لكل الحكومات الإسرائيلية بتحدي أي كان. كيف يمكنكم تفسير هذه الغطرسة المتزايدة بشكل غير مسبوق في السياسة الدولية؟ جورجيو س. فرانكل: هذا صحيح. إن أسس هذه الغطرسة متعددة. أحد هذه الأسس هو قوة إسرائيلية النووية. إسرائيل هي ربما القوة النووية الرابعة في العالم. ومنذ سنوات السبعينيات، اي ما يقرب من 40 عاما، كان يقال إن إسرائيل قادرة على أن تشكل تهديدا نوويا ضد الاتحاد السوفياتي. وهذا يفسر لماذا كان الاتحاد السوفياتي حذرا دائما تجاه إسرائيل. منذ بضع سنوات فقط، قال المؤرخ العسكري الاسرائيلي من أصل هولندي، مارتن فان كليفيلد، الباحث الشهير ومؤلف كتب في الدراسات العسكرية، في مقابلة صحفية، ان اسرائيل لديها اسلحة نووية موجهة نحو كل عواصم العالم الغربي. هناك حديث كثير عن هذا الاعتقاد الشامشوني. والفكرة هي هذه: إذا كانت إسرائيل في وضع قد يجرها نحو الفناء، فإنها ستجر العالم كله معها. قبل ان تفنى ستوجه قنابلها الذرية نحو أوروبا والعالم العربي والولاياتالمتحدة. لقد قال علماء اسرائيليون مرارا إن إسرائيل تستطيع أن تضرب في أي مكان في العالم. ثم إن الرابط الاستراتيجي مع الولاياتالمتحدة، الذي بدأ بعد حرب عام 1967، أعطى إسرائيل سلطة دولية كبيرة ونوعا من الحصانة. تحميها الولاياتالمتحدة مهما فعلت. إذا كان هناك قرار في مجلس الأمن ضد إسرائيل، فإنه لا يمكن أن يمرّر لأن الولاياتالمتحدة، كعضو دائم، يمكنها نقضه. وترجع الأسباب التي تجعل من إسرائيل قوية جدا في الولاياتالمتحدة إلى حقيقة أن إسرائيل قد أنشأت سيطرة على الكونغرس. إن إسرائيل تسيطر على كونغرس الولاياتالمتحدة، إنها تتحكم حقا. خلال عقود من الزمن أوجد الاسرئيليون في الولاياتالمتحدة سلسلسة من الهياكل والمؤسسات تدعى اللوبي الإسرائيلي . يتكون هذا اللوبي من منظمات متخصصة شتى: هناك لوبي الكونغرس، هناك لوبي يمارس ضغوطا على البيت الأبيض، وآخر يركز على القادة العسكريين..الخ. مع الأخذ في الاعتبار أن اليهود الميسورين في الولاياتالمتحدة هم 6 ملايين. تملك هذه المنظمات التي يمولها العالم اليهودي رؤوس أموال ضخمة. في واحدة من أكبرها، وهي: AIPAC حوالى 100 ألف عضو. لديها قوة هائلة. يرسل أعضاؤها فاكسات ورسائل البريد الإلكتروني الى النواب وأعضاء مجلس الشيوخ، ويجمعون الأموال. * هناك أمر مهم جدا تحدثت عنه الصحف الأوروبية قليلا، عكس الصحف الإسرائيلية، وكذلك بعض الصحف اليهودية، هو حقيقة أن العلاقات بين إسرائيل وأوباما كانت سيئة بداية عام 2010. وكان أوباما على استعداد لتبني سياسة ضغط أصعب فأصعب تجاه إسرائيل. هذا ما بدا. في شهر ماي، تغير أوباما تماما، وتخلى تدريجيا عن جميع الامور للإسرائيليين. لقد كشفت الصحف الإسرائيلية أن الممولين الرئيسيين من الديمقراطيين اليهود قطعوا التمويلات. وقال أصحاب المليارات اليهودية انهم لن يقدموا في مارس 2010 دولار واحدا إذا لم يغير أوباما سياسته. وهكذا وجد أوباما نفسه عشية انتخابات نصف العهدة السياسية في مصاعب سياسية مع حزبه الذي فقد مموليه اليهود. انهم إذن مصدر قوة. * إضافة الى عامل آخر للسلطة المؤقتة.. في عصر العولمة الاقتصادية، أصبحت إسرائيل عنصرا هيكليا لهذه القوة العالمية العظمى التي تطورت ابتداء من الثمانينيات والتسعينيات.. في النخبة العالمية التي تملك القوة الاقتصادية، الخ.. إسرائيل هي جزء لا يتجزأ من هيكل السلطة هذا. من شأن هذه القوة الاقتصادية -يضاف اليها السلطة الاستراتيجية والعسكرية، وسعي الولاياتالمتحدة الى السيطرة على الشرق الأوسط- تعزيز القوة العسكرية والاستراتيجية لإسرائيل. في عام 2003، عندما هاجمت الولاياتالمتحدةالعراق، قال الصحفيون الأمريكيون والنخبة المؤيدة لإسرائيل علنا إن الهجوم على العراق لم يكن سوى بداية لاستراتيجية هدفها تفكيك الشرق الأوسط. بعد العراق، سيكون الدور على مصر، والمملكة العربية السعودية.. وغيرها. كان ذلك منظور تلك الفترة. ثم كانت الحرب على العراق وبالا عليهم. وهذا يدل على ان السلطة العسكرية ليست صالحة الا إلى حد معين. وتخسر الولاياتالمتحدة -على الرغم مما هي عليه من القوة العظمى العسكرية والتكنولوجية- كل الحروب. وبالنظر الى تجربة الولاياتالمتحدة، نستطيع أن نضع في اعتبارنا أن الأيام قد تكون معدودة حتى بالنسبة الى القوة العظمى الاسرائيلية. حاليا، إسرائيل جزء من القوة العظمى العالمية. لكن هذه القوة تفقد مكتسباتها مع توسع القوة الآسيوية. سيلفيا كاتوري: لقد درستم هذا الموضوع، وتعرفون الحقيقة عن قرب. لكن من الصعب جدا على الناس بشكل عام أن يفهموا أن العرب والمسلمين ليسوا المشكلة، بل السياسة الصدامية الاسرائيلية. الضغط المستمر الذي تمارسه إسرائيل ضد البرنامج النووي الإيراني المدني هو جزء من ذلك. هل تتوقعون هجوما محتملا من قبل الجيش الإسرائيلي أو الآخرين على المواقع الإيرانية؟ جورجيو س. فرانكل: لا أعتقد ذلك، لأن إسرائيل بدأت تهدد بمهاجمة إيران منذ بداية التسعينيات، إنها 20 عاما منذ أن بدأت السلطات الإسرائيلية تكرر أنها ستهاجم إيران، وأن إيران بصدد صنع القنبلة الذرية، وأن ايران تشكل تهديدا. لكن، في التاريخ، عندما تهدد دولة بإشعال حرب ثم لا تفعلها عشرين عاما فإنها لن تفعلها أبدا. هذا التهديد ضد إيران يخدم إسرائيل في الحفاظ على مناخ من التوتر في الشرق الأدنى والأوسط. فبتهديدها عدة مرات في السنة بشن حرب على إيران، فإنها تخلق حالة من الخطر في الولاياتالمتحدة وأوروبا. احتمال أن تهاجم إسرائيل إيران ضعيف للغاية. ولكن إذا هاجمت اسرائيل ايران حقا، فإن العواقب العالمية قد تكون كارثية، بحيث انه حتى لو اعتقد الجميع أن تهديد الحكومة الاسرائيلية مجرد خداع، فلا أحد سوف يتحقق إن كان خداعا حقا. إنها فترات دورية. من وقت لآخر يلوح الإسرائيليون بهذه الورقة الإيرانية، فيُتحدث عنها لبضعة أسابيع ثم يتوقف الحديث. لقد صرح الجنرال موشيه يالون، نائب رئيس الوزراء ووزير التهديدات الاستراتيجية، أن البرنامج النووي الإيراني متأخر، لذلك، لدينا عامان أو ثلاثة أعوام لاتخاذ قرار . هذه رسالة للإشارة إلى أنه لا يوجد خطر إيراني حاليا. هدف الاسرائيليين من ذلك هو الحفاظ على مناخ التوتر وإجبار الولاياتالمتحدة والأوروبيين على اتباع سياسات معينة. وقد أمل الإسرائيليون في خلق مناخ كاف من التوتر لإثارة مواجهة بين إيران والدول العربية. هذه الاستراتيجية فشلت أيضا. كم من الوقت استغرقته القوى النووية الأخرى لصنع القنابل الذرية؟ لقد احتاجت الولاياتالمتحدة الى 3 سنوات، خلال الأربعينيات، عندما لا احد كان يعرف تماما صنع قنبلة ذرية. واستغرق صنعها في إسرائيل 10 سنوات. الآن، منذ أكثر من عشرين عاما، يقولون إن إيران تقوم ببناء قنبلة نووية.. إنها إذن أبطأ قنبلة ذرية في التاريخ! إن وكالة الطاقة الذرية التي عليها أن تراقب القنابل النووية تستمر في القول إنه لا يوجد أي دليل على برنامج عسكري. تخدم مسألة القنبلة الإيرانية إسرائيل من حيث خلق مشاكل استراتيجية في المنطقة. تخوف إسرائيل الأكبر هو في فتح حوار سياسي بين الولاياتالمتحدةوإيران. ثم الاعتراف بإيران كقوة إقليمية ينبغي الحديث معها ومناقشتها. * القوة الإقليمية الأخرى التي هي بصدد الاتضاح، هي تركية. لإسرائيل الآن مشاكل مع تركية، لأنها يمكن أن تصبح المحاور الرئيسي للولايات المتحدة مع العالمين العربي والمسلم. * السلاح الرئيسي الآخر لإسرائيل هو تهمة معاداة السامية. إنه سلاح يستخدمه الإسرائيليون فورا وبشكل موسع. إن أي شكل من أشكال انتقاد إسرائيل هو معاد للسامية. كان له في البداية تأثير كبير، الآن، أقل قليلا. عاجلا أم آجلا سوف يفقد أهميته. عندما نسيء استخدام هذه الأسلحة تفقد قيمتها. تتهم اسرائيل الجميع بمعاداة السامية. إذا انتقد يهودي إسرائيل يقولون إنه يهودي يكره نفسه. في النهاية، فإن هذا أيضا سينهار. لأن معاداة السامية شيء وانتقاد إسرائيل شيء آخر. هناك القليل فقط من معاداة السامية في العالم حاليا. وإذا ما انبعثت مرة أخرى فلأن الطريقة التي يعمل بها الإسرائيليون لصنع هوية بين اليهودية وبين الاسرائيلية مثيرة حقا للاشمئزاز: انها أرض زلقة جدا. سيلفيا كاتوري: خلال هذه السنوات من هجوم تل أبيب العسكري، كان هناك في فرنسا على سبيل المثال، تكثيف للاتهامات بمعاداة السامية، حتى من متشددي مجموعة يهود من أجل السلام . وابل من الاتهامات بمعاداة السامية وإنكار الهولوكوست يمطر على الصحفيين والناشطين العاملين على تسليط الضوء على الفكر الذي قاد الدولة اليهودية الى اتباع سياسات غير مقبولة منذ البداية، إذا لم يكن لانتقاد السياسة الإسرائيلية -كما اشرتم- علاقة بالعنصرية، فما الذي يسعى إليه، حقا، أولئك الذين يتهمون الناس بمعاداة السامية؟ جورجيو س. فرانكل: الخطأ الأكبر هو ذاك الذي ترتكبه الجاليات اليهودية في العالم، بوصفها جاليات يهودية، إذ تعتقد أن لديها الحق في الكلام نيابة عن إسرائيل. يعتقد العديد من الإسرائيليين اليهود أنهم يملكون الحق، كيهود، في دعم إسرائيل. من حقهم ذلك. لكن، عاجلا أم آجلا، سيتحمل اليهود غير الاسرائيليين ما تفعله الحكومة الاسرائيلية. من ناحية أخرى، عندما تدّعي إسرائيل أنها تريد أن يُعترف بها، ليس فقط كدولة يهودية، ولكن ايضا كدولة وطنية للشعب اليهودي، فهذا يعني أنها ستطلب، على الصعيد الدولي، ان يعترف لها بنوع من السيادة على اليهود الذين هم في بلدان أخرى. وهنا، يصبح الأمر خطيرا جدا. سيلفيا كاتوري: لماذا الأمر خطير؟ جورجيو س. فرانكل: لأنه من الممكن في النهاية أن تتدخل إسرائيل مستقبلا في السياسة الداخلية للدول الأخرى، بحجة أن للبلد سياسة معادية لليهود. لقد رفض شيراك المشاركة في الحرب ضد العراق، وبعد وقت قصير أطلق رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون العنان لسياسة معادية لفرنسا، محذرا اليهود الفرنسيين: احزموا حقائبكم، واتركوا فرنسا، وتعالوا إلى إسرائيل . ومستقبلا، يمكن للإسرائيليين أن يتصرفون كما لو أن بيدهم تحديد مصير اليهود الإيطاليين أو الفرنسيين. سيلفيا كاتوري: سلاح معاداة السامية هذا سمح لإسرائيل دائما بأن تضع الحكومات التي لا تتبع خط تل أبيب السياسي تحت الضغط. وها هي عشرون عاما وإسرائيل تحث العالم على تكثيف الضغط على ايران لعزلها ومعاقبتها، وعرقلة تطورها الطبيعي. حسبكم، هل ستوفق في ذلك؟ جورجيو س. فرانكل: أنا غير مقتنع بذلك، لأن إيران حتى الآن تحميه الصين وروسيا. لديها علاقات جيدة مع جيرانها: تركية والعراق ودول مثل أذربيجان وجورجيا. لديها علاقات جيدة مع باكستان والهند، مع دول الخليج العربي، وخاصة قطر. انها حاليا بصدد توسيع وجودها الدبلوماسي في أمريكا اللاتينية. أوروبا تتبع الخطا المتشدد: ولكن بلدانا أخرى لا تتبعها. الإسرائيليون يقودون محاولات زعزعة الاستقرار الداخلي في إيران من خلال التفجيرات والمجازر، وما إلى ذلك. وهذا ما يقومون به على الارجح. يجب معرفة ما اذا كانوا سينجحون في ذلك. سيلفيا كاتوري: إسرائيل فقط وليس الولاياتالمتحدة ؟ جورجيو س. فرانكل: كلاهما.. ولكن الإسرائيليين بصفة خاصة. سيلفيا كاتوري: لماذا الإسرائيليون بالخصوص ؟ هل لديهم وسائل معينة لاختراق الأقليات العرقية والتلاعب بها؟ جورجيو س. فرانكل: مشكلة استقرار إيران معقدة للغاية. يمكن الدخول بطريقة غير شرعية في عدة مناطق. هناك جماعات معادية للحكومة المركزية. كردستان هي المنطقة الأكثر أهمية نفطيا. الأقلية السنية تعيش هناك. يكفي منحهم تمويلا وتزويدهم بالسلاح. يسمى هذا النوع من العمليات حرب الظل . وإمكانات التدخل عديدة. * الجزء الثاني و الأخير من حوار خاص مع جورجيو.س. فرانكل، منشورة في إيطاليا يوم 25. 05. 2011). ترجمة من الإيطالية (الى الفرنسية): ماري آنج باتريزيو (24/06/2011) التعريب: خالدة مختار بوريجي