بقلم: رياض بن وادن نعيش حياتنا بحلوها ومرّها وتمر علينا فترات نشعر فيها بقمة السعادة والفرح، خاصة عندما نصيب منها ما نطمح وما نريد.. ولكل مناّ وجهة يولّيها ونحن نبحث عن السعادة المنشودة، فمنا من يجدها في المال سواء أكان هذا المال قانونيا أو غير ذلك، وهناك من يجد سعادته في النهب والسرقة وتجميع ما يمكن تجميعه مما يبهجه في هذه الحياة سواء بطرق سوية أو بطرق ملتوية. وهناك من يجد سعادته في السلطة أو في طلب المناصب والعليا، وآخر يجدها في الشهرة وذيع اسمه بين عالم المشاهير والعلماء والكتاب.. ويتفق كل هؤلاء سواء من طلب السعادة والحياة بطرق سليمة أو غير سليمة بأن للموت وقع مهول على الأنفس وذكرها يعكر صفو الأجواء ويزيل طعم حلاوة الدنيا ويذهب بطيب ريحها، وكلنا يريدها أن تبتعد عليه بعد المشرق عن المغرب. لكن في تجربة ملفتة للنظر وجديرة بالتأمل ل: ماثيواورايلي وهو عامل فني في الطوارئ للحالات الحرجة يشير إلى أنه خلال عمله لمدة سبع سنوات كان يتعمد الكذب على المصابين في الحوادث الذين لم يبق لهم إلاّ بضع دقائق في هذه الحياة حتى لا يفارقوها وهم في هول وفزع وخوف.. حيث يروي بأنه في أحد الأيام أصيب شاب كان يقود دراجته النارية إصابة حرجة فقرر هذا الفني بأن يخبره بالحقيقة بعدما سأله الشاب إن كانت هذه اللحظات هي آخر ما تبقى من عمره.. فعندما أخبره بالحقيقة بأنه سيموت وجد في وجه الرجل قبولا عجيبا ورضى بما حدث له، ومنذ تلك اللحظة قرر ماثيواورايلي بأنه لن يكذب بعد اليوم على أحد يصاب إصابة خطرة ستؤدي لموته بأنه سيعيش. ومن خلال هذه التجربة ومع مرور الوقت والسنوات لاحظ بأن هناك ثلاثة أنماط لردة فعل الناس عندما يُخبرون بموتهم الأكيد بغض النظر عن الاختلاف في العقائد والتقاليد.. فهناك من يظهر حاجته للغفران عن الخطايا وتظهر علامات الندم في وجهه كأن يتمنى الإنسان لو كان قد قضى أكبر وقت مع زوجته وأولاده ولم يكن أنانيا.. والنمط الثاني من الناس يتمنى لو يبقى يُذكر بين الناس وبين معارفه وأحبابه وأن لا ينسوه أبدا.. والنمط الثالث يريدون التأكد بأن حياتهم كان لها معنى وقيمة وأنها لم تمر عادية وغير نافعة للآخرين!. ومن خلال تجربة هذا الرجل أعتقد بأنه لو نعي هذه النقاط الثلاثة ونستشعرها دائما في نفوسنا لصلحت حياتنا ولقدمنا الكثير للوطن وللإنسانية ولاستطعنا أن نبني وطنا قويا ولأسعدنا هذه الأجيال والأجيال القادمة على حد سواء.. لو يعي كل واحد منا أنه قادم اليوم الذي ستمر فيه حياته بين عينيه مثل شريط أخبار مهما كانت قيمته ومنصبه في هذه الحياة لحسن عملنا اتجاه أنفسنا واتجاه غيرنا واتجاه الوطن. لو نفهم بأنه سيأتي اليوم الذي نحتاج فيه لطلب الغفران من الآخرين والتمني بأن يذكرنا الأحباب والمعارف والأهل وكل الأصدقاء بالخير ولا ينسوننا.. وأنه سنَسأل أنفسنا في لحظة جد قصيرة عن قيمة الحياة التي عشنا، هل كان لها معنى أم لا؟ هل عشنا لأنفسنا فقط أم للآخرين كذلك؟ حينها سيحسن التاجر في عمله وسيستقيم الموظف في إدارته والمعلم في تعليمه والصانع في صنعته والكاتب في كتاباته والسياسي في تحركاته وأقواله والحاكم في حكمه وتصريف شؤون رعيته.. ولأصبح للموت كذلك ذوق جميل مثل الحياة.