بقلم: رياض بن وادن لا يمكن أن ينكر أحد بأن الشعب السويدي في عمومه شعب مسالم له تقاليد قوية ومتجذرة في ممارسة الحريات والدفاع عنها، وكذا ثقافته العالية في الوعي الديمقراطي والعلمانية المترسخة فيه، حيث أن الإدارة هنا تتواجد على نفس المسافة من كل مواطن على اختلاف لونه أو أصله أو دينه أو لغته. ولهذا فأنا جد متعجب أو لنقل جد مندهش لما حدث خلال هذه الآونة الأخيرة من إقدام بعض الأشخاص المجهولين على عملية حرق المساجد، وقد وصل عدد ذلك إلى أربعة مساجد تعرضت للحرق أو للاعتداء، آخر مسجد لحد الآن تعرض للاعتداء كان في الأيام الأولى من هذه السنة الجديدة. ولحد هذه الساعة لم تتوصل الشرطة السويدية لمعرفة الأشخاص الذين تسببوا في هذه العملية وبالتالي من أجل معرفة انتماءاتهم السياسية إن كانت لديهم، ولمعرفة السبب الحقيقي الذي أدى بهم للقيام بهذه الأعمال، وكذا لمعرفة إذا كانت هذه الأعمال فردية أم أن وراءها تنظيما يريد أن يبعث برسالة مباشرة للمسلمين وللسلطات وللشعب السويدي عموما!؟. * ردود أفعال عادية كنت متواجدا في هذا البلد أيام أحداث الحادي عشر من سبتمبر من سنة 2001، و قد سُجلت ردود أفعال فردية في السويد من طرف بعض الأشخاص بعد الحادث مثل محاولة الاعتداء على بعض المساجد، كما أنه كُتبت على الجدران الخارجية بعض العبارات العنصرية ضد الإسلام و للمسلمين، وأنا شخصيا أعتبرها ردود أفعال عادية جدا نظرا أولا: لهول ما حدث في أمريكا من سقوط ضحايا وموت مواطنين، وكذا للدور القوي الذي لعبه الإعلام في نعت الإسلام بأبشع النعوت والصفات..لكن العجيب لأنه لم تصل كل تلك ردود الأفعال إلى مستوى ما حدث الآن وهذا ما يجعلنا نطرح أكثر من سؤال عن أسباب كل هذا!؟. في رأيي الشخصي وإلى غاية أن تصل السلطات السويدية إلى الفاعلين الأساسيين وإلى الأسباب الرئيسية يمكن حصر أسباب ذلك إلى هذه العناصر التالية: قد يكون السبب الأول وهو أنه لأول مرة في تاريخ السويد يلتحق بالطاقم الوزاري أربعة وزراء كلهم من أصول أجنبية مسلمة، وقد تكون هناك جهة ترفض هذا النوع من الطاقات الشابة الأجنبية أن تصل وتأخذ هذا النوع من المناصب كرها منها للأجانب عموما وللأجانب المسلمين على وجه الخصوص. كما أنه قد يكون هناك سبب آخر وهو ظهور منظمة سرية تعمل بانتظام على محاربة المسلمين وذلك من خلال حرق المساجد، قد تكون هذه المنظمة تحمل فكرا كاثوليكيا متطرفا تعمل بانتظام على ترهيب المسلمين وذلك من خلال حرق دور عبادتهم، وقد اختارت هذه المنظمة إن وجدت حقا أيام أعياد ميلاد المسيح عيسى عليه السلام من أجل تمرير رسالتها، وكأنها حرب بين الإسلام والمسيحية، أو قد تكون منظمة متطرفة أخرى تريد معاقبة شجاعة السلطات السويدية لاعترافها بالدولة الفلسطينية، والسويد كانت السباقة في ذلك مقارنة بالدول الغربية الأخرى!!. كما أنه يمكن أن يكون السبب في ذلك هو من أجل بعث رسالة واضحة للسلطات السويدية من أجل التشديد في إجراءات طلب الهجرة وتوقيف عملية مساعدة الشعوب المسلمة التي تعيش في حروب، حيث تعمل السلطات السويدية منذ فترة طويلة وعبر كل سياساتها السابقة على فتح الحدود لهم والتوفير لهم سبل الحياة الكريمة، وقد عملت السلطات السويدية على فتح أبواب المملكة من قبل للمسلمين من العراق والصومال والبسنة وغيرهم، وأخيرا للشعب السوري الشقيق على مختلف دياناته وتوجهاته. ويمكن الإشارة هنا لموقف الحزب الديمقراطي السويدي الذي تحصل على عدد معتبر من مقاعد البرلمان وهو حزب عنصري متطرف كان شعاره دائما: نغلق باب الهجرة في وجه الأجانب ونساعدهم في بلدانهم. كما أنه قد يكون السبب في ذلك هي الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها المملكة وارتفاع نسبة البطالة بين أبناء من لهم أصول سويدية، لكن في تقديري الخاص هذا سبب ضعيف لأنه لو كان الأمر كذلك لكان الاعتداء على كل الأجانب على اختلاف أصولهم ودياناتهم ومعتقداتهم، كما أن اقتصاد السويد مقارنة بكل دول العالم يعتبر اقتصادا ناجحا وقد حقق أهدافا كبيرة، والسويد من البلدان القليلة التي مرت عليها الأزمة الاقتصادية بردا وسلاما ولم تحدث فيها أثرا كبيرا مثلما حدث لدولة إيسلندا أو الولاياتالمتحدة ولدول جنوب أوروبا. كما أنه يجب أن نشير بأن الجالية المسلمة في السويد تعتبر جالية واعية ولا يمكن لها أن تُثار وتُستفز من خلال هذه الاعتداءات المتكررة على دور العبادة، ولن تستجيب إلى أي نداء أصولي متطرف من أجل الانتقام أو من أجل رد الفعل على ما حدث أو من أجل الدفع بها للانتقام، ولهذا فإننا ندعو الأزهر الشريف أن يتوقف عن التنديد أو التدخل في أمر لا يعنيه لا من قريب ولا من بعيد، والأولى له أن يندد بحالات القتل والاضطهادات والسجن التعسفي والتحرش بالمرأة ومنع الأصوات التي تنادي بالديمقراطية في مصر أولا وعندما يعيد الحق لأهله هناك بعد ذلك مرحبا به لينصر ويندد بما يحدث للمسلمين هنا. ثقتنا كبيرة بالشرطة السويدية وثقتنا أكبر بالأحزاب السويدية وخاصة التصريحات المطمئنة لوزيرة الثقافة ولوزير الداخلية لرفضهما لكل أنواع التطرف ولوقوفهما مع حرية المعتقد، كما أنه ثقتنا بالدور الإيجابي الذي تلعبه كل المنظمات الإسلامية وخاصة الدور الكبير الذي تلعبه الرابطة الإسلامية في السويد من خلال شرح الإسلام المعتدل ومساهمتها في توعية عامة المسلمين بدورهم الإيجابي في المجتمع وابتعادهم عن كل ما يؤدي إلى تشويه صورة الإسلام المتسامح. لابد أن تقوم التسع مائة ألف نسمة من المسلمين التي تندمج في هذا المجتمع بدور إيجابي من خلال المساهمة في بناء البلد بناء اقتصاديا وسياسيا وثقافيا واجتماعيا، لابد أن تكون المشاركة مشاركة إيجابية من خلال إحياء مبادئ الديمقراطية وترسيخ العدل والمساواة ووضع قيمة الإنسان فوق كل اعتبار، فللسويد باع كبير وعريض في ترسيخ الحرية الدينية والفكرية منذ ثلاثينيات القرن السادس عشر عندما عمل مساعد (لوثر) السويدي (أولاوس بيتري) على الدفع بعجلة التنوير في المجتمع والتي توجت في أواخر القرن الثامن عشر بظهور العلمانية التي ساعدت وتساعد كل الميولات المختلفة والديانات المتعددة والشعوب غير المتجانسة على العيش بسلام مع بعضها البعض فوق أرض وتحت سماء واحدة.