المقصود بالآية رجل كان في زمن موسى كان عابدا صالحا زاهدا.. هناك ألفاظ كثيرة موجودة بالقرآن الكريم نقرأها ولا نفهم معناها ولا المقصود منها، ونحن هنا قرّاء (بص وطل) الأعزاء نريد أن نعي ما نقرأ من القرآن ونتدبّر ونفهم معانيه؛ قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}؛ فتعالوا معنا مع هذه الآية القرآنية الكريمة: يقول الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا}. [الأعراف: 175 - 176]. في هذه الآية الكريمة يُوجّه الله سبحانه وتعالى خطابه لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم؛ حيث يقول له: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا...}، والمقصود هنا رجل كان في زمن نبي الله موسى عليه السلام، وكان رجلا عابدا صالحا وناسكا زاهدا، وقيل إنه كان يعرف اسم الله الأعظم الذي ما دعا أحد به إلا استجاب الله له، وكان يُؤمن برسالة نبي الله موسى ويتبع دينه؛ فأتاه قومه ذات مرة وقالوا له: (إن موسى معه جنود كثيرة، وإنه إن يظهر علينا يهلكنا؛ فادعُ الله أن يرد عنّا موسى ومَن معه. قال: إني إن دعوت الله أن يرد موسى ومَن معه، ذهبت دنياي وآخرتي)، فلم يزالوا به يرققونه ويتضرّعون إليه حتى خضع لرغبتهم؛ فنزل على ما يريدون، وبدأ يدعو على موسى عليه السلام ومن معه؛ فظهرت آية الله تعالى فيه؛ فأصبح لا يريد الدعاء على موسى عليه السلام ومن معه من المؤمنين إلا حوّل الله لسانه فأصبحت الدعوة على قومه؛ حتى هلك مع قومه، فضاعت دنياه ودينه. أما قوله {فَانْسَلَخَ مِنْهَا}؛ الانسلاخ معناه الخروج؛ يقال: انسلخت الحية من جلدها أي خرجت منه، والمعنى هنا أن الله آتاه الآيات ثم انسلخ منها، فبدلا من أن ينتفع بها صيانةً لنفسه وتقرّبا إلى ربه انسلخ منها. وقوله: {فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ}؛ أي استحوذ عليه وغلبه على أمره، فمهما أمره امتثل وأطاعه؛ فأدركه فصار قرينه؛ لهذا قال: {فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} فكان من الهالكين لضلاله وخِلافِه أمْر ربه وطاعة الشيطان. [وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ}؛ أي ولو شئنا لرفعناه بآياتنا فجعلناه يعمل بها ويقوم بواجبها؛ فإذا فعل ذلك رفعه الله تعالى بها، ولكنه لم يكن أهلا لأن يرفعه الله بها؛ لأنه {أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} أي أقبل على لذّات الدنيا ونعيمها، وصار أكبر همّه أن ينال حظوظه من الدنيا؛ سواء كان يريد الجاه أو المال... أو غيرهما ذلك. {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ}؛ أي صار مثله في ضلاله واستمراره فيه وعدم انتفاعه بالدعاء إلى الإيمان؛ كالكلب في لهثه -اللهث هو إخراج اللسان عطشا أو تعبا- في حالتيه إن حملت عليه وإن تركته فهو يلهث في الحالين؛ فهذا يلهث على الدنيا من قلة صبره عنها، وهذا يلهث من قلة صبره عن الماء؛ فالكلب من أقلّ الحيوانات صبرا عن الماء، وإذا عطش أكل الثرى من العطش. {ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا}؛ فهذا هو المؤمن الذي آتاه الله تعالى العلم وبيّن له الشرع على أيدي رسله الكرام، ولكنه أبى إلا أن يتبع هواه ويخلد إلى الأرض فصار هذا مآله. في النهاية عزيزي القارئ.. عليك عند قراءة هذه الآية أن تضع معانيها أمامك..