كنا صغارا، وكنا ندرس في المدرسة الابتدائية، ومن بين ما علمونا، او من بين الدروس النظرية التي لم وقد لا نطبقها في حياتنا أبدا، فيما كان يسمى بمادة التربية المدنية "الحق في الانتخابات الديمقراطية". أجل، في السنة الثالثة او بعدها او قبلها بسنة او سنتين، قمنا بحصّة دراسية حول الانتخاب والديمقراطية، وبعدما شرح لنا الأستاذ ما هو الانتخاب، ولماذا ننتخب وكيف، كلف نفسه مشقة تحضير جو شبيه بجو الانتخاب، فجلب صندوقا يشبه ذلك الذي يوجد في مكتب الاقتراع، والذي توضع فيه أصوات الناخبين، ولكن إلى حين. كما احضر الأستاذ ستارا وعلقه على الخزانة فصار مكانا يشبه تلك الغرفة أو المساحة التي يختار فيها الناخب ورقة مرشحه، فرحنا نتداول على وضع أصواتنا، ورغم أنني لا اذكر على ماذا، وعلى ومن صوّتنا، ولماذا، وماذا كانت نتائج التصويت؟ إلا أن ما أعمله هو أنّ تلك الانتخابات كانت أوّل وربما آخر انتخابات ديمقراطية أخوضها في حياتي. ولا ادري إن كان ذلك الأستاذ يعلم، او إن لم يكن يعلم، او إن كان متفائلا كثيرا فحسب، فيما إذا كان ذلك الدرس سيفيدنا في مستقبلنا، أم لا؟ وهل كنا بحاجة فعلا إلى تلك التمثيلية كلها، وان لم نكن قد أضعنا وقتا ودروسا أخرى أكثر أهمية وذات جدوى؟ أو أنه اغتر بانتخابات أجريت بديمقراطية لحاجة في نفس يعقوب، أو ربما كان بريئا وساذجا، أو كان يمثل علينا مثلما مثل ومازال يمثل غيره. الانتخابات التي وقعت بمصر، والتي أسفرت عن خروج الحكم من يد الحاكم إلى الحاكم، والتي لن أصفها بأكثر ما وصفها المصريون أنفسهم بأنها مسخرة وتهريج وغير ذلك، لكنها تعمِّق جراح العرب، والذين صار حكامُهم يزورون الانتخابات جهارا نهارا، وعلى مرأى من الجميع، وكأنها مسرحية كانت تمثل على خشبة المسرح، ثمّ أخرجها آخرون للتلفزيون، أمّا الشعوب فحتى الثورات والعصيان لم يعد يفيدها، بل لا يؤدي إلا إلى زيادة اضطهادها، ولو أنّ المصريين، على الأقل، اظهروا رفضهم لتلك المسخرة، ولم يصفقوا للمزوّر ويهنئوه بفعلته مثلما يحدث في بلدان أخرى افقدها الذلّ كل شيء حتى الإحساس بوقوعه فيها. لمَ تنظم انتخابات ثم تزوّر؟ وبما أنّ الحاكم بمصر سيفعل ما شاء، قبل الشعب أم أبى، لماذا يزعج نفسه بأداء دور لا يقدر حتى على الإجادة فيه، فيغير الدستور ويجعله أبديا مثلما فعل غيره من القادة العرب، الذين تفننوا وأبدعوا في اختلاق طرائق ووسائل رائعة في التزوير وتخدير الشعوب؟ أخشى ما أخشاه أن أكون ظلمت ذلك الأستاذ، ووصفت درسه بغير المجدي بعد هذه السنوات، وربما زوّر هو الآخر تلك الانتخابات المصغرة حتى يُفهمنا في النهاية ما علينا فعله إذا تعرّضنا إلى موقف أو حدث مشابه، أو إذا نُودينا للانتخاب.