لقد تحوّلت الانترنيت، ليس إلى متنفس للبعض ممن أدمنوا عليها، بل صارت تمثل لدى آخرين كلّ حياتهم، فراحوا يبثون مشاكلهم فيها، ولأناس غرباء كذلك، رغم ما في ذلك من خطر على خصوصياتهم. منذ أن ظهرت الانترنيت، والناس من مواطنين عاديين ومختصين يحاولون أن يبتكروا وسائل وأفكار جديدة بعضها جميلة وأخرى شيطانية، ومن ذلك بعض المواقع التي تختص في حل المشاكل، او على الأقل التحدث فيها، ليس عن طريق إرسال أسئلة ثمّ انتظار الأجوبة، ولكن بالحديث المباشر مع مختصين وآخرين عايشوا نفس تلك التجارب، وباختصار فان الموقع للمهمومين، والذين عانوا ويعانون من مشاكل عائلية او نفسية او ما شابه. لكل موقع تخصصاته وزوراه، ففيما تخصصت مواقع في الرياضة وأخرى في الفن والموسيقى والفضائح وحتى اللقطات المضحكة والمواقف الطريفة، وأخرى راحت تعرض الصور الوحشية والتدميرية وهكذا، فان بعض المواقع فتحت صفحاتها بشكل خاص للمرضى والمكروبين، والذين لا يجدون عادة من يمسح دموعهم ويخفف عنهم، فيلجؤون إلى الانترنيت الذي يتحول إلى حل واحد ووحيد لبثّ مشاكلهم، وقد تطفلنا على بعض تلك المواقع، وتحدثنا مع بعض زوارها الذي أدلوا لنا برأيهم في عالهم الخاص. وكان أن دخلنا إلى منتدى موقع كان مخصصا للأخبار، ولكنّ الزوّار، ومع الوقت، جعلوه موقعا لهم يتحدثون فيه عن مشاكلهم الخاصة، حتى تحول إلى ناد لهم، يتحدثون فيه عمّا يشاؤون من الأخبار التي تمس حياتهم اليومية والخاصة جدا، ويتبادلون النصائح فيما بينهم، وتقول لنا مروى، وهي إحدى العضوات في النادي:"هذه المساحة سمحت لي بأن أتخلص من مشاكلي، او بالأحرى منحت لي الثقة في نفسي بعدما كدت أن افقدها، إذ فقدت أمي وأبي في سن مبكرة، وارتبطت بشخص حطم حياتي وتركني بعدها وحيدة، وكدت أصاب بنوبة عصبية، لولا أنني وجدت أشخاصا على هذا المنتدى ساعدوني على الخروج من وحدتي من جهة، ومن جهة أخرى فقد كنت استمع إلى مشاكلهم فأحمد الله كثيرا، لان فيهم الكثيرين ممن عاشوا ويعيشون مآسي أسوا من ماساتي، وان كانت لماساتي حل فبعضهم لا يكادون يجدون الحل لوضعهم، خاصة هؤلاء المرضى، والذين يعاني بعضهم من أمراض ميؤوس من شفائها، وحتى أنا عندما أحاول نصحهم مثلما يفعلون معي، أجد نفسي عاجزة، إلا على تعزيتهم". رميسة، من جهتها، والتي اختارت اسما مستعارا حتى لا تقع في مشاكل مع أشخاص يعرفونها، أخبرتنا أنها قصت كل مشاكلها لأعضاء النادي لعلهم يساعدونها ولو بالنصيحة على إيجاد حلّ لمعضلتها، وهي التي تعاني من مشاكل كثيرة مع أسرة زوجها، إضافة إلى كونها لا تنجب، وهو الأمر الذي جعلها لا تجد من يقف إلى جانبها، فهي لا تتحدث مع احد، إلاّ زوجها الذي يقدم في ساعة متأخرة من الليل، ولا يكاد يعلم بما تعانيه يوميا، ورغم أنّها تخشى من حديثها على الانترنيت مع أشخاص لا تكاد تعرف عنهم شيئا، خاصة وانه قد يطلع على ما تقوله اقرب المقربين منها، وحتى أسرة زوجها، إلاّ انه المتنفس الوحيد، تضيف، الذي تستطيع من خلاله بث همومها. إلاّ أن مثل هذه المواقع قد تتسبب في مشاكل، وهو ما حدث لسمير الذي وقع له مشكل مع زوجته، فصارح به بعض أصدقائه على الانترنيت، ولكن لم يتوقع أن زوجته، والتي لم تهتم من قبل بالشبكة ولا بتلك المواقع، تطلع على ما دوَّنه، بل حسبت أن له عشيقة كان يحكي لها، ورغم أن سمير أكد لنا أن نواياه لم تكن سيئة، إلاّ أنه ندم فيما بعد على انه باح بأسراره الزوجية إلى أشخاص غرباء، خاصة بعدما تسبب ذلك له في مشاكل أكثر واكبر.