بقلم: رياض بن وادن / لابد من التذكير بأن ممارسة السياسة أو العملية الإصلاحية الحقيقية هو ليس أن يلغي كل طرف الطرف الآخر الذي يخالفه الرأي والتوجه..أو أن ممارسة السياسة هي عملية البحث عن البطل والمنقد الذي سيخرجنا إلى بر الأمان.. وإنما في حقيقة الأمر العمل الإصلاحي الحقيقي والناجح هو الذي نستطيع أن نصل من خلاله إلى تلك الأفكار الأساسية ووضع خطة محكمة حتى نحقق تلك النقلة المطلوبة والوقوف وقفة صحيحة على السكة التي تسير بنا جميعا نحو الأمام دون إقصاء أو تهميش لأحد. ونحن نمارس الإصلاح سواء بالقول أو الفعل أو عن طريق الكتابة قد ننسى بأن الذي يجمعنا هو أكثر بكثير من الذي يفرقنا..قد ننسى بأن لنا دينا واحدا وتقاليد واحدة وتاريخا مشتركا كتب بجهد المجتهدين والعاملين ورسم بدماء الشهداء والخيرين.. ونلجأ عوض التعاون والتفاهم وحب بعضنا البعض إلى عملية تهديم الذات وذلك من خلال التهم المتبادلة والشكوك وخوف كل طرف من الطرف الآخر وإلى عملية وضع المتاريس السياسية والحواجز والموانع الحقيقية والمعنوية لبعضنا البعض بالكذب والزور والبهتان وتغيير الحقيقة.. وهذا في حقيقة الأمر لا يزيدنا إلاّ تراجعا وتخلفا وتقهقرا. دولة ماليزيا هذا البلد المسالم والجميل لا يفوقنا إلاّ بسنوات قليلة جدا يوم أخذ استقلاله من المملكة البريطانية إلاّ أنه الآن يعتبر من الدول الرائدة في الكثير من المجالات ويعيش في سلم إجتماعي ورخاء اقتصادي مبهرين جدا.. ورغم أنه في سنواته الأولى من الاستقلال كان يعيش فقرا مدقعا وجهلا عظيما وكانت البطالة تضرب أطنابها كل شرائح المجتمع وخاصة بين السكان الأصليين..إلاّ أنهم استطاعوا أن يضعوا خططا علمية مدروسة ومتطلعة على واقعهم فنجحوا وبنوا وطنا يعتبر من أجمل وأروع الأوطان في الزمن الحاضر. وطن للجميع إن المجتمع الماليزي يتكون من ثلاثة أعراق مختلفة في كل شيء..في الدين واللغة والتقاليد وهم: شعب الملايو والصينيون والهنود.. بل وحتى من الناحية المالية فقد كان الصينيون في بداية الاستقلال أكثر غناء ومتمسكون بدواليب التجارة الداخلية والخارجية منها مقارنة بالسكان الأصليين ولم يكونوا يعانون من الجهل الذي كان يمس السكان الأصليون إلاّ أنهم استطاعوا وضع عقد وطني اجتماعي لبناء وطن يسع الجميع..والدور هنا يعود بطبيعة الحال لوعي السياسيين والمصلحين الاجتماعيين وإلى حبهم ورغبتهم في بناء وطن يكون أساسه العدل والخير وتساوي الفرص بين الجميع.. كما أن سياسية التعليم لعبت دورا كبيرا في توعية المواطن الماليزي على اختلاف عقائدهم وتاريخهم وتقاليدهم. لابد وأن ننجح نحن الجزائريون لو نريد ذلك..لأنه لنا من مقومات النجاح وفرصه أكثر بكثير مما كان لماليزيا أو لدول أخرى مشابهة مثل سنغفورة..لابد وأن ننجح لو نريد ذلك لأننا نعيش وطنا واحدا و تجمعنا تقاليد واحدة ولنا تاريخ مشترك كتبه آباؤنا وأجدادنا ولن يضرنا شيء لو اختلفنا في جزء منه.. فقط علينا أن نتعلم كيف نحب بعضنا البعض.. والحب الذي أعنيه هنا هو حب الوطن وحب الخير لبعضنا البعض والتفكير الجيد والسليم في كيفية بعث استثمارات حقيقية والتركيز على التكوين الجيد والمعرفة القوية لتلاميذتنا وطلبتنا وأن نعيد للعلماء والأساتذة دورهم الحقيقي في المشاركة في عملية الإصلاح. لابد ومن أجل النجاح أن نمر على ذلك الطريق الصعب الذي مرت عليه كل الدول التي أنشدت التقدم والازدهار ألا وهو طريق محاربة الفساد بكل أنواعه وبناء إدارة واضحة وشفافة وأن نبتعد أن أسلوب التهديد والوعيد أو أسلوب التشكيك في نيات ومقاصد بعضنا البعض..لابد أن تتعلم المعارضة الحديث مع السلطة وأن تفتح السلطة حوارا موسعا وشفافا مبني على الثقة والاحترام مع المعارضة. إن الذي حدث يوم 24 فيفري في شوارع الجزائر لدليل على أننا سلطة ومعارضة قد فقدنا ذلك الإحساس الجميل بقيمة أن نحتفل مع بعض بذكرى هي غالية على كل الجزائريين وهي ذكرى تأميم المحروقات..هذا الكنز الذي عشنا من خيراته أكثر من نصف قرن.. كما أنه كان لابد أن نقف وقفة رجل واحد سلطة ومعارضة وشعبا بأن نحيّي أهلنا وإخواننا في الصحراء الكبرى وأن نعيد إليهم حقوقهم و نحترم تخوفاتهم..لكن للأسف الشديد فإن الذي حدث هو أن السلطة وضعت برنامجا فلكلوريا للاحتفال بالذكرى والمعارضة وقفت تحتج ضد استغلال الغاز الصخري وكأن للسلطة وطن وللمعارضة وطن آخر!!. إن أهم عناصر النجاح هو ذلك الشعور القوي بأن هذا الوطن هو رأس مالنا..فلا وطن لنا غيره ولا مستقبل لنا إلاّ فيه وبين شعبه..وما عملية الجذب والدفع وتوجيه التهم إلاّ مضيعة للجهد وللوقت..لابد وأن نبدأ فورا في تغيير طريقة تفكيرنا والتغيير في طريقة عملية ممارسة السياسة مع بعضنا وعلينا بتلك الحمية الجياشة في حب الوطن والتفكير سريعا في النهوض به وضمان مستقبله بكل ما أوتينا من عزيمة وقوة.