بقلم: رياض بن وادن* إذا نظرنا نظرة سريعة وتفقدنا أحوال الناس في مختلف أقطار العالم لوجدنا بأن السبب الرئيسي في معظم مشاكل تلك الأمم مصدرها الفراغ والبطالة.. ولا يهم هنا إن كانت تلك الدول متطورة صناعيا وناجحة سياسيا واجتماعيا أو لا.. فكلما زاد الفراغ وتعطلت الأيدي والعقول عن العمل وعن المبادرة لسبب ما في شعوب تلك الدول إلاّ وتظهر المشاكل وتتكاثر وتنتشر مثل النار في الهشيم فلا تُبقي ولا تَذر. والجزائر واحدة من أكبر تلك الدول التي يقبع شبابها في بطالة عارمة وفراغ قاتل.. بل ومن المؤسف فإن هذا الفراغ وهذه البطالة أصبحت تمس كذلك شريحة مهمة ألا وهي شريحة التلاميذ الذين أصبح يضيع من موسمهم الدراسي كل سنة المئات من الساعات بسبب تلك الإضرابات المجحفة والظالمة لهم التي تتكرر كل مرة.. وكأننا نُعدهم من الآن لتذوق الفراغ والبطالة التي تنتظرهم!؟. وشريحة أخرى نسيناها كما نَسي أهل المدينة أصحاب الكهف.. فلم نعد نتحدث عنهم ولا نهتم بما يعانون في المجتمع جراء تعدد المشاكل وترتيب أولوياتها..ألا وهم (شريحة المسنين والمحالين للتقاعد). سنوات الضياع الإنسان في الجزائر يمكن القول عليه أن البطالة قد كُتبتْ عليه وأن الفراغ مُرافقُه من يوم أن تلده أمه إلى غاية خروجه من هذه الحياة.. فراغ في الصغر نظرا لعدم توفر أماكن اللعب وروض الأطفال للجميع بما في ذلك أطفال ما يسمى بالجزائر العميقة..ثم مرورا بمرحلة الإضرابات في مواسم الدراسة والفراغ القاتل في أيام العطل الدراسية..ثم بطالة أخرى قد تستغرق سنوات وسنوات للمتخرجين من الجامعات والمعاهد المدرسية ثم بطالة الشيخوخة وما بعد الشيخوخة التي يقضيها المسن في أحسن الأحوال جالسا أمام بيته يتفرج على من يهبُ ويدُبُ أمامه. وعندما يسيطر على الإنسان الجزائري هذا الجو الكئيب.. وهذا البؤس الشديد منذ ولادته إلى غاية وفاته.. وعندما ننسى أو لا ننتبه لهذا..تصبح عملية فهم بعض المظاهر التي تنتشر مثل الفطريات السامة هنا وهناك صعب علينا فهمها مثل ظاهرة السرقات والاعتداءات والعنف وتزايد ظاهرة الخلع والطلاق وكذا التحرش بالمرأة. وأمام كل هذه المشاكل والتخبطات الاجتماعية يصبح كل صوت للعلاج أو فكرة واقتراح جميل لتحسين الوضع هو صوت نشاز مرفوض عند أغلبية المجتمع..كما يظهر عند البعض على أنها عملية تغريب وتفسيخ للمجتمع مرتب لها من بعض الأطراف!!؟. ولكن حقيقة الأمر والتي يجب أن ننتبه إليها هي أن رأس الفساد في الجزائر هو الفراغ والبطالة.. فعندما يمتلأ وقت الإنسان بالعمل والاجتهاد ليل نهار ويملأ الشباب وقته بالنشاطات الثقافية والاجتماعية، فعندها لا أعتقد بأننا سنتكلم ثانية عن العنف والسرقات وكل مظاهر الفساد وكذا التحرش..وعندها لن نخاف من القوانين التي تحمي المرأة من التحرش لأنه عندها القانون سيطال تلك الفئة الفاسدة والتي مهما تقدم لها من وسائل جميلة ومقترحات رائعة فلن ترضى إلاّ بممارسة الفساد والتفكير فيه. عندما أتكلم عن الفراغ الذي يمس جانبا كبيرا من الحياة لا أقصد فقط فراغ العشر ساعات الأولى من النهار..بل كذلك أتكلم عن فراغ المساء والليل.. حيث لا نملك مدارس ومعاهد لتعليم اللغات مثلا ولتعليم الأنواع المختلفة للفنون ولا مدارس للتعليم في المساء لمن يريد أن يواصل تعليمه.. فاستثمارات رجال المال عندنا تذهب فقط في الاستثمار في ما تطلبه البطون..أما أن يباشروا في توفير ما يتطلبه المجتمع حتى يتقدم ويتطور فهذا حقيقة مازال بعيد المنال وغير متوفر في عقول وفي فكر الأغنياء عندنا!!. إذا كنا لم نستطع توفير العمل والشغل لشبابنا فعلى الأقل أن نحاول توفير عدد لابأس به من العوامل التي تجذب إليها الشباب حتى يتمكن من توزيع طاقته الجسمية والفكرية وحتى يتمكن من إبراز قدراته وتحقيق ميولاته في شتى المجالات..وحتى يتربى الشباب ويعي أكثر فأكثر دوره الحقيقي في هذه الحياة اتجاه دولته ووطنه..كما علينا كذلك الاهتمام بالفئة التي تحوّلت إلى التقاعد من الموظفين والعمال وذلك بالعناية بهم وتشجيعهم على السياحة الداخلية وزيارة المعالم التاريخية.. فنغرس بذلك ثقافة جديدة تتطور مع الأيام وتتحسن مع تحسن المستوى التعليمي والاقتصادي للمواطن.. ومنه فإن مختلف الوزارات مطالبة بالعمل فيما بينها من أجل خلق استثمارات التي تعنى بالسياحة وبالفنون وفتح معاهد طيلة المساء للتعليم والتطوير وحتى يفهم الشباب المستثمر بأن الإستثمار ليس فقط فتح مقهى أو سياقة حافلة أو كسب شاحنة نقل..بل الاستثمار الحقيقي هو الذي يخرج الإنسان من الفراغ القاتل لكل إبداع والمدمر لكل طموح..الفراغ الذي تسبب في كل مشاكلنا الاجتماعية الحالية التي نعيش.