تتجاوز شريحة المسنين في المجتمع الجزائري المليونين، ويصل عددهم بالضبط إلى حدود 2,530,713 نسمة، من ضمنها أكثر من مليون و255 ألف رجل مقابل مليون و275 ألف امرأة، أغلبهم يعانون من التهميش والإقصاء في مجتمع يكرس تغييب دور المسن ويصر بإحالته على الرف بمجرد انتهاء صلاحيته التي يحددها سن التقاعد. شريحة كبيرة تعاني التهميش والإقصاء فتقع بالتالي في دوامة الأمراض النفسية والجسمانية، في انتظار تطبيق قانون الحكومة الرامي إلى صون كرامة المسن في الجزائر. تحيي الجزائر على غرار دول العالم اليوم الدولي للمسنين المصادف للفاتح من أكتوبر، وهي تحصي بين صفوف مواطنيها أكثر من مليوني مسن والمقصود بهم كل من تجاوز عمره الستين، رغم أن هذا السن في الدول المتقدمة هو سن النضج والعطاء وليس سن الإقصاء من المجتمع والحياة، وهو السن الذي حدده تقرير حديث لوزارة التضامن، حيث أشار أيضا إلى الواقع المتردي لهذه الفئة التي تستمر معاناتها بين إهمال السلطات العمومية وبين تغير المفاهيم في المجتمع الجزائري. واقع الشيخوخة التي وصفها التقرير بأنها رمز السلطة والنزاهة في الأسرة، يزداد خطورة بالنظر لارتفاع معدلات الحياة، حيث إن العناية الصحية المتوفرة سمحت بتجاوز معدل الحياة عتبة الثمانين السنة، في حين أن السن القانونية للتقاعد تبدأ في سن الستين بالنسبة للرجال و55 سنة بالنسبة للنساء، ما يعني أن المسن في الجزائر يقضي أكثر من عشرين سنة في الفراغ، ما يجعله غير فاعل في المجتمع. وعلى ضوء ما ذكره التقرير يؤكد جل الأطباء والأخصائيين بأن معاناة المسنين في الجزائر تبدأ مع التقاعد، لذا تجد الكثيرين منهم لا يحبذون التقاعد لأنه يعني لهم انتهاء الفعالية والمكانة والريادة وبالتالي الدخول في زمرة المهمشين، ومعنى ذلك أن يشعر الفرد أنه دون أهمية وغير قادر على تأدية أي دور، وهذا ما يساهم بشكل كبير في ظهور الأمراض النفسية والجسمانية، وهو ما يفسر أيضا ارتفاع حالات الزهايمر وغيرها من الأمراض التي تؤكد انعزال المسنين وابتعادهم عن الحياة اليومية الفاعلة، هذا الرأي الطبي يتماشى مع تلك الأرقام التي تشير إلى غياب شريحة من جاوزوا عتبة ال 60 سنة عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية في البلاد: فقد كشف التقرير المتعلق بالمسنين الذين أبدوا الرغبة في تقديم مشاريع في إطار الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر، أن عددهم لا يتجاوز 4,587 مسن، ما يؤكد العزلة التي تعيشها هذه الشريحة، مع التأكيد على أنه على عكس الاعتقاد السائد، فإن المدن الكبرى تضم غالبية المسنين، في مقدمتها العاصمة التي تضم ما يقارب من 268 ألف مسن، في حين أن ولاية وهران تضم أكثر من 115 ألف مسن، هذه الأرقام تضع الولايتين في مقدمة ولايات الوطن من حيث تمركز المسنين، مع التأكيد على الغالبية العظمى ممن يوضعون في خانة الماكثين بالبيت. هذا الواقع الذي بات يعانيه المسنون يتزامن مع تجديد مطلب ضرورة إيجاد سياسة وطنية تتكفل بانشغالات المسنين وأخذ خبرة المتقاعدين بعين الاعتبار واستثمار مداركهم عوض إقصائهم من الحياة المهنية والاجتماعية. مصطفى خياطي يدعو إلى وضع إستراتيجية وطنية للتكفل بفئة المسنين دعا البروفيسور مصطفى خياطي السلطات إلى وضع إستراتيجية وطنية للتكفل بفئة المسنين، وإنشاء مصالح خاصة بهم في مختلف المستشفيات المتواجدة في مختلف أنحاء القطر الوطني، مشيرا إلى أنه عند التقدم في السن، تبدأ بعض الأمراض التي تصيب عدة أعضاء في وقت واحد في الظهور، والكثير من الخبراء تكهنوا بارتفاع عدد المسنين في السنوات القادمة، مشيرا إلى أن النسبة ارتفعت إلى 6 بالمائة مقارنة ب 2,5 في أواخر الثمانينيات، ومع هذا الارتفاع نجد أن الحكومة لم تسطر أي سياسة صحية للتكفل بالمسنين على مستوى المستشفيات. وأضاف أن الأمراض المنتشرة في أوساط المسنين الجزائريين هي: الكآبة، نقص السمع، وشتى أنواع الأمراض المزمنة، الأمر الذي يدعو إلى تخصيص مصالح خاصة في المستشفيات للتكفل مباشرة بهذه الشريحة، لأن المسن قد يعاني من عدة أمراض في وقت واحد. وأضاف في تصريح سابق له، أن هذه الأمراض كان يمكن تأخيرها لو كانت هناك سياسة صحية معتمدة للتكفل بهذه الشريحة المهمشة، كوضع برامج وقائية مختلفة وخلق التواصل بين الشباب والمسنين، والاستفادة من هذه التجارب، لأن عزل المسن وتهميشه ليس حلا للتكفل به. حماية الأشخاص المسنين وصون كرامتهم واجب وطني بدت الحكومة الجزائرية أكثر صرامة تجاه قضية ''حماية الأشخاص المسنين'' وصون كرامتهم واحترام حقوقهم، وصار ينظر إلى الأمر أنه ''واجب وطني'' بعد أن طال هذه الفئة الكثير من الأذى حتى من أقرب الناس، وبدأت تلك الصرامة تتجسد ضمن مواد مشروع قانون يتعلق بحماية الأشخاص المسنين درسه مؤخرا مكتب المجلس الشعبي الوطني وسيناقشه النواب خلال دورتهم الخريفية، وفقا لما جاء في موقع الإذاعة الجزائرية. وأشار نص المشروع الذي أعدته وزارة التضامن الوطني والأسرة إلى أنه''أصبح من الواجب الوطني حماية الأشخاص المسنين وصون كرامتهم واحترام حقوقهم، ولاسيما عن طريق تحديد دور وواجبات الأسرة خاصة الفروع منها وتطبيق مساعدة خاصة قصد مرافقة ملائمة''. كما تتضمن هذه الحماية الاستفادة من جهاز الوقاية من الأمراض من طرف الهياكل القاعدية المتخصصة في العلاج وتطوير النشاطات الثقافية والرياضية والترفيهية مع توفير دخل محترم، وعند الضرورة فقط الالتحاق بالمؤسسات المتخصصة والوضع لدى عائلات استقبال. ويتعين على الأسرة في المقام الأول أن تستمر في خدمة أشخاصها المسنين وصون كرامتهم في إطار التضامن الذي تنميه باستمرار نحو كل من بحاجة لاهتمامها ورعايتها. وتكون الأسرة الضامن الأول للتكفل بالأشخاص المسنين. وأضافت وثيقة مشروع القانون أنه يجب أيضا على الدولة أن ''تضمن مسؤوليتها في مجال تعزيز الطرق والوسائل الكفيلة بتدعيم وتنظيم وتنفيذ مختلف التدابير والنشاطات لصالح هذه الفئة''. وتتمثل مهمتها في ''السهر على أداء الأسرة لواجباتها تجاه الأشخاص المسنين ومرافقة الجمعيات في توفير الخدمات والحلول البديلة عند انعدام الروابط الأسرية أو انقطاعها وعند الضرورة استقبال الأشخاص المسنين المحرومين ودون روابط أسرية بالمراكز المتخصصة''. أما بخصوص الأحكام الجزائية فينص مشروع القانون في إحدى مواده على أن كل من ترك شخصا مسنا أو عرضه للخطر يعاقب حسب الحالات بنفس العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات ولاسيما المادتين 314 و316 منه. ويعاقب بموجب هذا القانون الأشخاص المخالفون لأحكامه بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة مالية تتراوح ما بين 20 000 دج إلى 500 000 دج حسب الحالات.