بقلم: جلال زين الدين* مع نجاح ثورة الخميني في إيران عام 1979م، عملت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على تصدير ثورتها للعالم الإسلامي، واتخذت من المذهب الشيعي مطية لهذا التمدد، معتمدة على نظرية (ولاية الفقيه) النائب عن الإمام الغائب ريثما يظهر، ومُنح هذا المنصب صلاحيات واسعة. حكم الخميني والحرس الثوري بالحديد والنار، ولم يسمحوا لأي صوت معارض أن يظهر، واستثمروا الحرب العراقيةالإيرانية مطلع الثمانينيات لتكريس الديكتاتورية الدينية، ورفعت إيران شعار الموت لأمريكا، وتقربت من حركات المقاومة الفلسطينية ذات الصبغة الإسلامية، مما مكنها من تحسين صورتها في العالمين العربي والإسلامي، وهيّأ الأرضية لتقبلها كقوة إسلامية معادية (للكيان الصهيوني). ولم تتخلَ إيران عن مشروعها في تصدير الثورة (التوسع في العالم الإسلامي) رغم ظروف الحرب، والأزمات الاقتصادية التي تثقل الشعب الإيراني الذي تطلع للتخلص من ديكتاتورية الشاه وقمعه الدموي عبر جهاز السافاك، ليقع تحت ديكتاتوريّة الآيات، فاستبدل العمامة بالتاج. وقد نجح الأخطبوط الإيراني بالتمدد مستغلاً الظروف الإقليمية، والاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003م، إذ استلمت الشخصيات والأحزاب والميليشيات الشيعية المحسوبة على إيران زمام الأمور، عقب حل الجيش العراقي، وملاحقة البعثيين، وتهميش السنة، ودعمت الأسد في سوريا ضد الثورة الشعبية التي قامت ضده اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، مما حال دون سقوطه -ولو مؤقتاً- مما مكنها من السيطرة على القرار السياسي السوري، وتحويل سوريا لمحافظة إيرانية، وامتد التوسع لليمن عبر دعم الحوثي، وفي لبنان عطل حزب الله الدولة اللبنانية، وأنشأ دولة داخل الدولة إذ لا تسمح الظروف الدولية، والتركيبة الطائفية للحكم إلا بتعطيل الدولة دون انهيارها. أخطبوط شيعي هذا المشهد الخارجي مزيف، وخلاف المشهد الحقيقي، فالتضخم الإيراني أشبه بالورم السرطاني الذي يقتل صاحبه، إذ تعيش إيران أزمة اقتصادية خانقة نتيجة العقوبات الاقتصادية، وانخفاض سعر البترول، فانخفض الريال الإيراني ودخلت البلاد في تضخم اقتصادي كبير، وزاد من هذا العبء الحروب الخارجية التي تخوضها إيران في العراقوسوريا واليمن، والدعم المادي لعملائهم في لبنان والبحرين، يضاف لذلك عودة الصراعات الداخلية أُفقياً وعمودياً للظهور، فالعملية السياسية الإيرانية تعرضت لهزة منذ الثورة الإيرانية الخضراء التي قمعت بشكل دموي، مما عزز الشرخ داخل المنظومة الدينية التي تعيش صراعات داخلية، ستظهر للعلن عقب وفاة خامنئي المتدهور صحياً، يضاف لذلك الصراع الأفقي المتمثل بالحراك المدني والديمقراطي الرافض لحكم الملالي، وعودة النزعات القومية، إذ لا يشكل الفرس أكثر من 51 من نسبة السكان، في حين يشكل الترك (الآذر)24 ، والأكراد قرابة 8 ناهيك عن العرب والبلوش (تبقى إحصاءات تقديرية في ظل رفض إيران إجراء هذه الإحصاءات)، وغيرهم من القوميات، فالتركيبة السكانية الإيرانية غير متجانسة سواء عرقياً أو دينياً، وتتطلع هذه القوميات للتحرر من النفوذ الفارسي المغطى بالعمامة السوداء، إذ إنّ نجاح الأكراد في إقامة جمهوريتهم مهاباد عام 1946م التي لم تدم أكثر من عام واحد إذ أعدم قادتها، جعل الحلم بالدولة الكردية قائماً ينتظر الفرصة، كما يطالب عرب الأحواز حيث الثروات النفطية التحرر من الاحتلال الإيراني، وخرجت مظاهرات وصل عددها للآلاف تطالب بالمساواة وتحسين المستوى المعيشي، واللافت ظهور النزعة القومية الانفصالية في الأجيال الشابة، فالشباب الأذري الجامعي بات يطالب الحكومة الإيرانية الاعتراف بقوميتهم، وإعطائهم حرية التعبير، ولا ننسى البلوش في الجنوب الشرقي ويحمل صراع الحكومة المركزية معهم بعداً قومياً وطائفياً لكونهم من السنة. فإيران لا تعيش في منطقة زلزالية جيولوجياً فقط، بل تركيبة المجتمع الإيراني قائمة على صفائح زلزالية قابلة للانزلاق في أي وقت، مما ينذر بتفتت الدولة وتشظيها، وقد تساعد التطورات الخارجية في تسريع هذه الانزلاقات، فقريباً سيكتشف العراقيون الشيعة قبل السنة مقدار الخديعة والخطأ الذي ارتكبوه بسماحهم لإيران السيطرة على بلدهم، ولا سيما مع بدء حملات مسح الهوية العربية العراقية، كما أنَّ الأسد سيسقط، وإن تأجل سقوطه فإنّ إيران ستدفع ثمن بقائه مادياً وعسكرياً وبشرياً، وسيتبع زوال الأسد سقوط دولة حزب الله في لبنان، كما لن يسمح الخليجيون للحوثيين بالسيطرة على اليمن، ولا سيما أنّ ذلك يتوافق مع الرفض الشعبي اليمني للحوثيين. ويسعى نظام الملالي تغطية كل هذه الصراعات الداخلية والخارجية بالعمامة الدينية بصبغتها الشيعية، لكنَّ هذه التغطية آنية، إذ سيثور الشعب على نظامه الذي حرمه رغيف الخبز من أجل بناء امبراطورية أكل عليها الدهر وشرب.