بقلم: رياض بن وادن* يمكن القول عن عبد الحميد ابن باديس رحمة الله عليه مثلما قال المولى عزّ وجل في نبي الله إبراهيم عليه السلام: إن إبراهيم كان أمة.. فابن باديس كان كذلك لأنه عمل بجهد واجتهاد أمة بكاملها..حمل رسالة شعبه وأمته..حارب الجهل والتخلف ونشر العلم والوعي..لقد أسس المئات من المدارس لتعليم الشباب أمور دينهم واللغة العربية التي منعها المستعمر الغاشم وجهّل الشعب فيها..فهم عبد الحميد ابن باديس الدور المهم الذي تلعبه المرأة في بناء الأجيال وتنشئة النشء وأنها نصف المجتمع بوعيها يتطور وبجهلها يتأخر ففتح المدارس لتعليم الفتيات وعمل على فكرة إرسال بعض الفتيات إلى سوريا من أجل أن يتعلمن أحسن وأكثر ثم العودة للجزائر من أجل مواصلة رسالة التربية والتعليم. عبد الحميد ابن باديس رحمه الله يحسب له بأن عمل بكل جهد من أجل محاربة فكر الطرقية والشعوذة والبدع الضالة التي جعلت من احتلال فرنسا للجزائر قدرا محتوما لا يجوز محاربته..حارب فكر الدجل والتخلف الذي انتشر بين أفراد الشعب وجعله يركن للراحة وللجمود وترك عزائم الأمور والمشاركة في بناء الحياة والوطن واسترجاع الاستقلال.. لقد نجح ابن باديس مع إخوانه العلماء رحمهم الله في تكوين وتربية جيل مقدام في المدن والقرى والمداشر فكانت النتيجة بعد ذلك أن ظهر جيل نوفمبر كسّر القيود وحمل سلاح الجهاد وأقبل على الشهادة والموت في سبيل الله فكانت النتيجة أن نعم الشعب بالإستقلال والحرية. إن ابن باديس كان أمة لأنه فهم قواعد لعبة الإصلاح والتغيير وأدرك جيدا بأنها لا يمكن أن تأتي إلى بتربية الفرد منذ ولادته وإلى غاية مغادرته لهذه الحياة..وهذه هي فكرة الدول المتقدمة في هذا الزمن، حيث تبدأ مهمة تكوين الفرد الصالح والواعي منذ الولادة وإلى غاية الوفاة.. فنجحوا في خلق توازن ووضع شفرة تفاهم فتجدهم حيثما ارتحلت بأن تكوينهم واحد يرتكز على عناصر أساسية ومن أهمها التفاهم والحوار والاحترام وضرورة المساعدة إذا ما تطلب الأمر كذلك والشعور بالمسؤولية وحب الوطن بدون صراخ أو عويل والتسليم بالديمقراطية وعدم التعصب للرأي. عصر التيه كم هو ضروري ونحن نعيش هذا التيه وفقدان البوصلة لا أقول أن نعود كلية إلى فكر وأطرحات عبد الحميد ابن باديس وذلك لإدراكي جيدا بأن لكل زمن رجاله ومفكروه لكن على الأقل أن نأخذ منه رحمه الله عزيمته وتفانيه في العملية الإصلاحية وجهده واجتهاده وعطائه الكبير الذي يساوي عطاء وجهد أمة بكاملها وحبه الكبير لشعبه ولوطنه. عبد الحميد ابن باديس رحمه الله مرت منذ أيام ذكرى وفاته..وكم أنا حزين بأننا لم نعد نسمع عن فكر ومنهج هذا الرجل وذلك لعدة أسباب منها الدينية العقائدية وذلك لكثير أولائك الذين لا يحبون هذا الرجل لتوجهه الإسلامي العربي..وآخرون لعصبية طائفية جهوية مقيتة لا يسعدهم أن يكون عبد الحميد رمزا للعلم ولعلماء الجزائر وجوهرة من جواهر المغرب الكبير والعالم الإسلامي الفسيح.. وآخرون لا يريدون أن يذكر نضال هذا الرجل وبذلك نضال كل جمعية العلماء ودورها في نشر الوعي الذي جاء بالاستقلال حتى يبقوا هم فقط في الساحة..ولأنهم يملكون السلطة فحتما يملكون بذلك التأريخ ولهم أن يفعلوا ما يشاءون به لكن مهما طمست الحقيقة فإن عمل جمعية العلماء سيظهر يوما ما ولو من أجل الاعتراف بهم..ويكفيهم شرفا أنه مهما كل محاولات طمس الشخصية الجزائرية من قبل الأيادي الخفية الخارجية والداخلية والجهد الكبير الذي قدموه إلاّ أن الجزائر وبعد أكثر من خمسين سنة من الاستقلال بقت دولة باديس لا باريس..وستبقى مسلمة شامخة بجذور عربية أمازيغية تتكامل فيما بينها لبناء وطن قوي يسع الجميع ويحضن الكل.. فرحمة الله عليك يا عبد الحميد يا ابن باديس.