شاعت في زماننا هذا الكثير من الأمراض التي أصبحت تصيب الكبير والصغير على حد سواء، وهو أمر يثير أحيانا استغراب العديد من الناس الذين يعتبرونها دخيلة لأن الأجداد في الماضي لم يعرفوها، ولكن الأمر الذي يثقل كاهل الجميع هو غلاء الفحوصات وكذا الأشعة والتحاليل في العيادات الخاصة ما دفع العديد من المواطنين إلى الهروب إلى المستشفيات وبالتحديد إلى مصالح الاستعجالات الطبية من أجل إجرائها مجانا وفي ظرف وجيز، ما يجعل هذه الأخيرة مكتظة بالمواطنين طوال اليوم. عتيقة مغوفل كشف المدير العام للمصالح الصحية وإصلاح المستشفيات بوزارة الصحة، البروفسور الحاج محمد، في تصريحات سابقة لبعض وسائل الإعلام الوطنية أن هناك فوج عمل مكون على مستوى مصلحة الاستعجالات لكل مستشفى يركز عمله حاليا على تنظيم عملية استقبال المرضى وتحسسيهم بأهمية المراكز الصحية الحوارية التي تعمل وزارة الصحة على تحسين خدماتها، كاشفا في هذا الشأن إلى وجود 90 بالمائة من المرضى ممن يتوجهون إلى المستشفيات بإمكانهم المعالجة بالمراكز الصحية الجوارية لعدم خطورة حالاتهم الصحية، مبرزا أنه لو يتم توجيه 10 بالمائة فقط من المرضى إلى المراكز الجوارية لن يكون هناك ضغط على الأطباء والممرضين في المستشفيات وسيتم التكفل بهم في ظروف جيدة، ولكن الجزائريين يرون عكس ذلك تماما فهم لا يثقون في أطباء المراكز الصحية الجوارية لذلك يتجهون إلى العيادات الخاصة أو المستشفيات. الأشعة بمستشفى عام والعلاج في عيادة خاصة تطلب منا إنجاز موضوعنا التنقل إلى مستشفى لمين الدباغين المعروف بمايو سابقا والمتواجد بباب الوادي بالجزائر العاصمة، توجهنا مباشرة إلى مصلحة الاستعجالات الطبية الخاصة به من أجل رصد الحالات التي تصل إليه هل هي فعلا حالات مستعجلة أم أنها عبارة عن فحوصات روتينية يجريها المواطنون هناك، كانت الساعة حينها تشير إلى حدود 16:30 مساء حين حاولنا الدخول إلى المصلحة، ولكن عون الأمن عند الباب منعنا من الدخول وطلب منا سبب قدومنا إلى هناك لذلك تظاهرنا أننا نعاني من آلام حادة على مستوى الصدر وأن الأمر مستعجل فسمح لنا هذا الأخير بالدخول إلى المصلحة. جلسنا وسط المرضى ننتظر دورنا في الدخول عند الطبيب من أجل الفحص الوهمي، ولكننا بقينا نراقب الناس إلا أن الأمر الذي أثار استغرابنا تواجد بعض الحالات غير المستعجلة بالمستشفى فحاولنا أن نعرف سبب وجود هؤلاء في المصلحة، فتقربنا من إحدى السيدات التي كانت مرفوقة بابنها وبقينا نتبادل معها أطراف الحديث فسألناها عن سبب تواجدها هناك فردت علينا تلك السيدة وقالت: (أنا في حقيقة الأمر أعاني من مرض القولون لدرجة أني أصاب بآلام حادة وبشكل يومي فيسقطني أرضا في الكثير من الأحيان، قصدت أحد الأطباء في العيادات الخاصة وبعد أن فحصني طلب مني إجراء بعض صور الأشعة للقولون تلك الصور يجريها هو ب7000دج بالإضافة إلى ثمن الكشف فيصبح المبلغ قرابة 9000دج، لذلك قررت أن أجري تلك الصور هنا في المستشفى ومجانا، وحتى لا أضطر أن أقف في طابور الانتظار طويلا فهناك بعض الاشعة التي لا يمكن إجراؤها قبل الشهرين والثلاثة، طلب مني ابني أن يحضرني إلى المستشفى وبالتحديد إلى قسم الاستعجالات أين أتظاهر أنني أشعر بآلام حادة على مستوى القولون وبذلك سيضطر الأطباء إلى إجراء صور الأشعة لي وبعدها سآخذها إلى طبيبي في عيادته الخاصة وبهذا سأكون قد وفرت مبلغ 7000دج. العطل المرضية دافع آخر وعلى ما يبدو أن السيدة التي تحدثنا إليها ليست الوحيدة التي تفكر بهذه الطريقة فغيرها كثيرون، فبينما كنا نتحدث إليها وإذا برجلين يدخلان إلى القسم، وأخذا مكانا بين الناس لينتظرا دورهما، فبقينا نختلس السمع عسانا نعرف سبب مجيئهما إلى مصلحة الاستعجالات الطبية، وبينما نحن كذلك وإذا بأحدهما يقول للثاني، اسمعني جيدا عندما تدخل عند الطبيبة قل لها إنك لا تستطيع أن تقف على قدميك وأنك كلما تحاول المشي لا تستطيع واطلب منها أن تعطيك بعض التحاليل لتجريها حتى تتأكد من علتك، وأخبرها أيضا أنك تشك أنك تعاني من فقر دم حاد، وبينما هما يتحدثان دخل ثالث وانظم إليهما ليستفسر هل أتما ما جاء من أجله، فانتابنا الفضول لنعرف سبب قدومهم فتقربنا منهم أكثر، وبعد لحظات سمعنا أحدهم يقول للمريض وكم ستطلب من الطبيبة أن تعطيك؟، فرد عليه المريض: (سأطلب أن تعطيني 10 أيام هي كلما أحتاجه ستكون كافية لأمضي بعض الأيام في البلاد مع العائلة)، ففهمنا بعدها أن هذا المريض المزيف جاء لمصلحة الاستعجالات الطبية لمستشفى لمين الدباغين بحثا عن طبيب يكتب له طلب عطلة مرضية ليقدمها فيما بعد إلى الإدارة التي يعمل بها. لهث وراء مجانية العلاج أصبنا بالاستغراب لكل ما سمعناه عن الأسباب التي تدفع بالناس للجوء إلى قسم الاستعجالات والتي عادة ما تكتظ بالمواطنين، فانتابنا الفضول لمعرفة ما يحدث في باقي استعجالات المستشفى لنقصد هذه المرة استعجالات طب الأطفال لنفس المستشفى، وكانت الساعة حينها تشير إلى حدود 17 مساء، وبينما كنا نسير نحو الاستعجالات وإذا بنا كنا نسمع صوت الأطفال يبكون ومن بعيد، وحين دخلنا المصلحة وجدنا عددا كبيرا من أولياء الأمور حاملين أطفالهم الذين جاءوا بهم من أجل الفحص، وهو الأمر الذي دفع بنا إلى التقرب من إحدى النسوة التي كانت موجودة هناك لسؤالها عن علة طفلها الذي يبلغ من العمر حوالي السنة، فقالت: (ليس هناك شيء خطير عنده فقط القليل من الإسهال وهو أمر طبيعي لاأن أسنانه بدأت تظهر لذلك أتيت به إلى هنا)، سكتت لبرهة من الزمن ثم تكلمت من جديد وقالت لنا: (بصراحة ابني يتابع علاجه عند طبيب خاص ولكني أتيت به إلى هنا فقط من أجل فحص روتيني لا أكثر ولا أقل وذلك حتى لا أدفع ثمن الفحص الذي يبلغ 2000دج من أجل شيء بسيط، فهنا الكشف مجاني).