زوالية مقصيون يستغيثون لإنصافهم عملية ترحيل حي الرملي تفجّر موجة من الاحتجاجات * عائلات مقصية تبيت في العراء بعد تهديم بيوتها الفوضوية عندما نلقي الضوء على تطور قطاع السكن في الجزائر تنقلنا الذاكرة إلى الظروف السكنية البائسة التي كان يعيشها جل أبناء الجزائر في المدن والأرياف والجبال والصحاري قبل عام 1954 وعلى امتداد الفترة الاستعمارية. إلا أن تلك الصورة البائسة لا يمكنها أن تظل راسخة في الأذهان أمام الإنجازات الكبرى والبرامج السكنية التي حققتها الجزائر والآفاق الواعدة خلال السنوات الخمس (2004-2009) وذلك بإنجاز مليون وحدة سكنية من مختلف الصيغ والأنماط لكن المشكل الذي بات مطروحا يتلخص في سوء التوزيع والبيروقراطية التي تنخر تلك المشاريع السكنية الضخمة وتعيبها.
هاجر لخلف مازالت الأحياء الشعبية المكتظة بالسكان في الجزائر العاصمة تصنع لنفسها حالة من الرهبة لأنها عبارة عن بركان نائم يمكن فورانه وانفجاره في أي وقت خصوصا أنها عادة ما تكون شرارة الانفجار الاجتماعي وتمثل في الوقت نفسه أحياء كحي الرملي وباش جراح وديار المحصول وديار الشمس بالمدنية ذلك الملف الذي لم يقفل بعد ولازالت العديد من العائلات المقصية تنتظر نتائج الطعون التي طالت مدتها إلى جانب بعض الأحياء الهشة بباب الوادي وعين النعجة وغيرها من البارومتر الاجتماعي الذي تقيس به السلطة حاجتها إلى السرعة في اتخاذ تدابير معينة وإجراءات تهدئة خاصة بعد عمليات الترحيل التي جرت مؤخرا في أكبر حي قصديري بالعاصمة حي الرملي الذي أثار موجة الغضب لدى بعض المقصيين من عملية الترحيل بعدما هدمت بيوتهم. عائلات مقصية من حي الرملي تستغيث يعد حي الرملي الكائن ببلدية جسر قسنطينة من أقدم وأكبر الأحياء القصديرية بالعاصمة هو حي ليس كغيره من الأحياء حيث تعاني الآلاف من العائلات حالة البؤس والشقاء منذ أكثر من 30 سنة هذا الأمر الذي جعلهم ينتفضون لعلهم يرزقون بسكن اجتماعي ليتحرروا من مرارة العيش فأغلب هذه العائلات عانت من السكن لسنوات وهناك من دخلوا الحي وهم شباب وهم اليوم شيوخ وبالرغم من أن السلطات باشرت بعملية الترحيل التي تستمر إلى حد كتابة هذه السطور إلا أنها عرفت هي الأخرى مشاكل جد عويصة واجهت بعض سكان الحي المقصيين الذين لم تكتمل فرحتهم بل ألغيت تماما فبعد ما فتح لهم باب الأمل من جهة أغلق من جهة أخرى والمشكل أن كل عائلة تخرج من المنزل يهدم فورا بيتها القصديري ولقي الكثير من القاطنين بذلك الحي حالة الظلم والقسوة فمنهم من لم يحظ بسكن كغيره ولما تكلموا عن حقهم في السكن قيل لهم إن لهم سوابق عند الدولة تعتبر خالتي (ت.ل) من أبناء ذلك الحي وهي تسكنه منذ 25 سنة عانت كل أنواع القسوة والظلم خاصة بعد وفاة زوجها وربت ابنها الوحيد تحت ظروف مزرية وتذوقت المأساة ومراراة العيش لأنها فقدت الأمل من وعود الترحيل. قامت بالتسجيل في مسكن عدل غير أنها سمعت أن حي الرملي سوف يتم ترحيله قريبا فسحبت أوراقها من مساكن عدل والعجيب أن لها وثائق تثبت أنها تسكن الحي منذ 25 سنة لكن لم تحظ بسكن وأخرجت من المنزل وهدم البيت الذي كان يأوي هذه المرأة كغيرها من العائلات التي حرمت من المساكن ولا يعرفون ما هو مصيرهم خاصة وأن أبناءهم توقفوا عن الدراسة أثناء عملية الترحيل. أزمة الضيق تخنق المواطنين بالأحياء القديمة تعاني أحياء أخرى من أزمة الضيق الخانق إذ نجد الشقة متكونة من غرفة واحدة لعائلة متعددة الأفراد قد تصل إلى عشرة أفراد على غرار حي ديار المحصول بالمدنية أو صالومبي سابقا وحي محي الدين بالشعبة -بيلكور- بالعاصمة فمن يدخل تلك العمارات في هذه الأحياء الموجودة منذ 50 سنة أو أكثر يجد نفسه أمام واقع لا يمكن تصوره سوى في الخيال خصوصا أن السكان تجرعوا مرارة الضيق فلكل شيء حدود فالظروف الاجتماعية التي يعيشها سكان هذه الأحياء التي تعد قطعة جميلة من قلب العاصمة وتتموقع أمام ديوان رياض الفتح ومقام الشهيد والإذاعة الوطنية ومقر التلفزيون الجزائري ولكنها لم تبق سوى صورة مشوهة للمنظر العام وضاقت بأهلها رغم وعود السلطات المحلية بإعادة إحصائهم ومنحهم سكنات اجتماعية في المستقبل لكن هذا الوعد لا يسمن ولا يغني من جوع وحسب ما روى لنا عمي -لخضر- وهو من السكان القدامى في المنطقة وفي إحدى عمارات حي محي الدين بأن المساكن أشبه بخم الدجاج ولا علاقة لها بكرامة الإنسان وعلق هذا المواطن البسيط على أن السلطات منحتهم جرعات من المسكنات اليومية لكنها لم تف بغرضها أمام تفاقم الأوضاع المزرية في تلك السكنات التي تشتمل أحسنها على غرفتين ضيقتين أما أغلبها فتتكون من غرفة واحدة للنوم والطبخ والأكل .. ولا يمكن للأسر الإقامة فيها لاسيما تلك الأسر كثيرة الأفراد. متى ينتهي كابوس السكن بالجزائر؟ شكل ملف أزمة السكن في الجزائر أحد التحديات الكبرى للبرامج التنموية التي أعلن عنها الرئيس بوتفليقة منذ توليه الحكم في الجزائر سنة 1999 كما أن رقم مليون سكن الأكثر تداولا في برامج الرئيس الانتخابية كما شكل رهانا كبيرا للوزراء فضلا على الصيغ المختلفة المعتمدة للحصول على السكن الذي تحول إلى حلم بعيد المنال بسبب العراقيل البيروقراطية والمحسوبية كآفات تعاني منها الكثير من المشاريع التنموية على رأسها مشاريع السكن ورغم الإنجازات الكبيرة التي شهدتها الجزائر في هذا المجال إلا أن أزمة السكن بقيت عالقة وتشكل أخطر الملفات خاصة مع الاحتجاجات التي تعرفها عمليات الترحيل هنا وهناك والتي لم نكن نسجلها من ذي قبل إذ ظهر مشكل الإقصاء الذي أزم بعض العائلات وجعلها تبيت في العراء في الوقت الذي تؤكد فيه السلطات المختصة في التوزيع على عدم أحقيتها في السكن واستقبال الطعون من أجل دراستها للخروج بحل ومراجعة عملية توزيع السكنات. فعلى الرغم من تحسن القطاع السكني في الجزائر وترحيل الآلاف من العائلات منذ انطلاق عمليات السكن من أحياء مختلفة منها شاليهات ببلدية برج الكيفان شرق العاصمة وترحيل أكبر حي قصديري بالعاصمة -حي الرملي- هذه السنة وغيرها من الأحياء إلا أنه لا تزال عائلات تعاني من مرارة الأحياء القصديرية كالحي القصديري بعين النعجة الذي يعاني سكانه من مرارة العيش خلال فصل الشتاء الذي تتحول فيه منازلهم إلى مسابح بسبب الأمطار. معاناة المواطنين لازالت مستمرة ببعض الأحياء الهشة والفوضوية عبر العاصمة ويجب أن تلتفت إليها السلطات المعنية والمكلفة بقطاع السكن والعمران على غرار بعض الأحياء بالقبة حسين داي قاريدي وبني مسوس وحي باتو كاسي ببرج الكيفان وغيرها من الأحياء فهل أضحت أزمة السكن فرضية محتومة على (الزوالية) ومتى تنتهي سناريوهاتها يا ترى؟!