تصنع الاستثناء بين الدول (السُنّية) *** يحتفل الجزائريون على غرار الدول العربية والإسلامية بيوم عاشوراء كلّ سنة شعبيا ورسميا وهو اليوم الذي نجّى فيه المولى عزّ وجلّ (موسى) من فرعون وقومه الظالمين وتاب فيه على آدم ونجّى نوحا وأنقذ إبراهيم من النمرود وردّ يوسف إلى يعقوب وهو اليوم ذاته الذي أغرق فيه فرعون وجنوده ونجّى موسى ومن معه وغفر لداوود ووهب سليمان ملكه وفيه أخرج يونس من بطن الحوت ورفع عن أيّوب البلاء.. عليهم السلام جميعا. هذه المناسبة الدينية ترافقها الكثير من العادات والتقاليد المتوارثة عبر الأجيال والتي تشتهر بها المنطقة المغاربية عموما وهي رواسب تاريخية منها بقايا الدولة الفاطمية وكذا ارتباط الشعب الجزائري بحبّ آل البيت رضي اللّه عنهم حيث تصنع بلادنا الاستثناء بين الدول (السُنّية) إذ تعتبر (عاشوراء) عطلة مدفوعة الأجر. ويفضّل الجزائريون إحياء ذكرى عاشوراء العظيمة بصيام اليوم التاسع والعاشر أو العاشر والحادي عشر من محرّم اقتداء بتعاليم الدين الإسلامي والسُنّة النبوية الشريفة كما ترتبط هذه الذكرى عند الجزائريين بإخراج الزكاة لتطهير أموالهم وتزكيتها. عطلة مدفوعة الأجر تعوّد الجزائريون على صدور بيان من المديرية العامّة للوظيفة العمومية يبلغهم بأن يوم عاشوراء عطلة مدفوعة الأجر وفي هذا السياق أعلنت المديرية العامّة للوظيفة العمومية والإصلاح الإداري في بيان لها أن يوم السبت العاشر من محرّم 1437 هجري الموافق ل 24 أكتوبر 2015 ميلادي سيكون عطلة مدفوعة الأجر لكافّة مستخدمي المؤسّسات والإدارات العمومية بما في ذلك المستخدمون باليوم أو بالساعة. وأضاف نفس المصدر أنه (يُستثنى من ذلك المستخدمون الذين يعملون بنظام التناوب والمطالبون بضمان استمرارية سير مصالحهم). يأتي هذا الإجراء طبقا لأحكام القانون رقم 63-278 المؤرّخ في 26 جويلية 1963 المعدّل والمتمّم المتضمّن قائمة الأعياد القانونية. الدولة السُنّية الوحيدة التي تحتفل بعاشوراء رسميا تعوّد المجتمع الجزائري على الاحتفال بهذا اليوم منذ أجيال خلت إذ تعتبر الجزائر الدولة العربية السُنّية الوحيدة التي تحتفل بهذه المناسبة رسميا وتمنح فيها عطلة مدفوعة الأجر علما بأن الجزائر لا توجد فيها طائفة شيعية بارزة على خلاف المغرب والسعودية ومصر حيث سبق وأن طالبت الطوائف الشيعية في هذه الدول حكوماتها بترسيم الاحتفال بهذا اليوم وجعله يوما معترفا به وهذا منذ الاستقلال في عهد الرئيس أحمد بن بلّة. ورغم عدم وجود أيّ تفاصيل رسمية عن كيفية ترسيم يوم عاشوراء عندنا يبقى هذا القرار الذي اتّخذه بن بلّة دون تفسير ولم يلق معارضة من طرف البرلمان أو الأحزاب الإسلامية وفي هذا الإطار أردنا استطلاع بعض آراء المواطنين فأخبرنا (كريم) وهو أستاذ جامعي بأن الجزائريين في حقيقة الأمر يحتفلون بعاشوراء كمناسبة لاجتماع العائلات الجزائرية التي قلّما تجتمع بحكم الظروف مضيفا أن المجتمع الجزائري تعوّد على الاحتفال بهذا اليوم منذ أجيال خلت رغم الأقاويل بأن الاحتفال بهذه الذكرى بدعة وأكّد لنا أن كلّ هذه العادات والتقاليد المرتبطة بهذه المناسبة تتّفق على جمع العائلة الواحدة إضافة إلى هذا يرجع اهتمام الشعب الجزائري بعاشوراء إلى حبّهم لآل البيت رضي اللّه عنهم. بعيدا عن اللطم والنواح يأخذ الاحتفال بيوم عاشوراء عند الجزائريين طابعا خاصّا حيث تختلف العادات والتقاليد حسب المنطقة إلاّ أن الأئمة شنّوا مؤخّرا حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتحذير المواطنين من البدع الشيعية التي تنتشر في مجتمعنا السُنّي في كلّ موعد عاشوراء كتقطيع الشعر ومنع القيام بالغسيل والخياطة وهي من أشهر العادات الشيعية. وفي هذا السياق سألنا الأستاذة في العلوم الشرعية (عائشة) وهي مرشدة وأستاذة في مسجد (النّور) بالحرّاش في العاصمة فأخبرتنا بأنه لم يرد أيّ نصّ في القرآن يحرّم الاحتفال بيوم عاشوراء فرسولنا (محمد) صلّى اللّه عليه وسلّم نصحنا بذلك احتفالا بنصرة اللّه ل (موسى) عليه السلام على عدوه فرعون كما يصادف أيضا نجاة النبيّ (نوح) ومن معه من الغرق (ونحن اقتدينا بذلك) كما أضافت أن الصّيام مستحبّ في التاسع والعاشر من محرّم لما فيه من حسنات للعبد وتعظيما لهذا اليوم أمّا الحرام فهو كلّ ما يتعلّق بالخرافات مثل قصّ الشعر إذ اعتبرتها الأخت (عائشة) جهلا متوارثا وأكّدت أنه في مثل هذا اليوم يجب الابتعاد عن كلّ الأمور المخالفة لديننا كالندب والنوّاح مثل ما يحدث في بعض الدول الإسلامية بل يجب في مثل هذا اليوم كثرة ذكر المولى عزّ وجلّ والصّيام والإكثار من الدعاء. الزكاة في عاشوراء.. تقليد أم بدعة؟ ردّا عن سؤالنا بخصوص إخراج الزكاة في عاشوراء قالت الأستاذة (عائشة) إنه من المستحسن إخراج الزكاة عندما يدور عليها الحول تماما سنة قمرية كاملة وهي تختلف من شخص إلى آخر لكن لا بأس إذا ارتبط يوم عاشوراء بإخراج الزكاة فالحساب الهجري ليس فيه اِلتباس على عكس التقويم الميلادي كما أضافت أن الأئمة والعلماء يختلفون حول هذه المسألة فالبعض يعتبرونها بدعة سيّئة والبعض الآخر يعتبرونها بدعة حسنة. ويبقى هذا اليوم مُهمّا لدى الجزائريين منذ أجيال خاصّة وأن رسولنا الكريم صلّى اللّه عليه وسلّم قد صامه وقال إننا كمسلمين أحقّ بأن نحتفل به لتعكس تلك التقاليد ارتباط المجتمع بدينه وتاريخه المليء بالانتصارات.