بقلم: سايل سعيد* يتفق معظم الباحثين والمتتبعين لأحداث الحرب الجارية بسوريا منذ عام 2011 والتي تزامنت مع انطلاق ما يعرف بالربيع العربي في الأقطار العربية المختلفة أنّ ما يقع في سوريا من مواجهات مسلحة بين مختلف الأطراف المتقاتلة على السلطة والسيطرة (القوات الحكومية القوات التابعة للمعارضة الجماعات المسلحة التكفيرية كجبهة النصرة الموالية لتنظيم القاعدة العالمي تنظيم الدولية الإسلامية _ داعش- ما كان ليعرف تلك الشراسة والديمومة (منذ 05 سنوات) لولا تدخّل القوى الإقليمية والدولية الفاعلة فيه بالشكل الذي جعل الساحة السورية مسرحا مشتعلا لتصفية هذه القوى لحسابات بعضها البعض هذه الحسابات التي لا تمتّ بصلة لطموحات ومطالب الشعب السوري الذي طالب عام 2011 بتغيير سياسي جذري وسلمي في سوريا يفضي لإقامة نظام سياسي ديمقراطي يراعي حقوق الإنسان ويكرّس دولة الحق والقانون. وفي هذا الإطار تُعتبر روسيا الفدرالية من بين أهم وأكبر هذه القوى العظمى الدولية والتي وجدت من الأحداث الجارية بسوريا مطيّة لها لتحقيق مشاريعها وأهدافها المصلحية المختلفة ذات البعد العالمي المرتبط بالتحولات الجارية في الوضع الراهن على مستوى النظام الدولي بالتنافس مع الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تقاوم أيّة محاولات دولية من أيّ فاعل كان من أجل مشاركتها في إدارة العلاقات الدولية. فبعد نهاية الحرب البادرة وسقوط الاتحاد السوفييتي وتفكّكه مع نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن العشرين راح العديد من المفكرين الغربيين الأمريكيين منهم بالخصوص يُروجون لنظريات قائمة على تكريس فكرة الهيمنة الرأسمالية _ الليبرالية على العالم بعد انتصار هذه الأخيرة على الشيوعية (نظرية نهاية التاريخ وغيرها ...) وأنّ الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تزعّمت المعسكر الرأسمالي الغربي ضد المعسكر الشيوعي _ السوفييتي الشرقي باتت القوة الضاربة الوحيدة في العالم (إعلان قيام نظام الأحادية القطبية العولمة بأشكالها المختلفة والتي راحت ترّوج لها الولاياتالمتحدة عبر أدوات مختلفة أبرزها مؤسسات ما يُعرف (ببروتن وودز) كصندوق النقد الدولي البنك العالمي المنظمة العالمية للتجارة الحرّة المفوضية الأممية السامية لحقوق الإنسان...). حروب المصالح هذا الوضع جعل من روسيا الفدرالية والتي تعدّ الوريثة الشرعية للاتحاد السوفييتي تشعر بالانزعاج وعدم قبول الوضع وهو الموقف الذي ظهر بوضوح بعد وصول الرئيس الروسي الحالي (فلاديمير بوتن) للسلطة بروسيا والذي أعلن صراحة أنّ هدفه الاستراتيجي يتمثل في إعادة إحياء وبعث الأمجاد السوفييتية من جديد في العلاقات الدولية والعودة التدريجية للنفوذ والتواجد الروسي في العالم ومن هنا مثّلت القضية السورية (الحرب الأهلية هناك) ومنذ عام 2011 مجالا حيويا لروسيا أخذت تنشط فيه وتتحرّك في إطاره لمقارعة الغرب عموما والولاياتالمتحدة خصوصا في مساعيها (مساعي روسيا) لاسترجاع مكانتها المفقودة منذ سقوط الاتحاد السوفييتي في العلاقات الدولية غير أنّ السؤال الذي يجب أن نجيب عنه في هذا المنوال يتمثّل في العوامل الجيوسياسية والاقتصادية التي جعلت من سوريا ساحة قتال غير مباشر لروسيا مع الغرب والولاياتالمتحدة لاسترجاع مكانتها المفقودة؟. فمن الناحية الجيوسياسية تعدّ سوريا في قلب حوض البحر الأبيض المتوسط الشرقي وذلك بامتلاكها لسواحل على عرض هذا الحوض فإذا عدنا في هذا الإطار لتحليلات كبار الاستراتيجيين الدوليين من أمثال (ماكندر) فنجد أنّه يَعتبر حوض المتوسط بمثابة قلب العالم ونقطة تقاطع مختلف القارات فهو يصل بين القارة الأوروبية والإفريقية والآسيوية وبالتالي أدركت روسيا أنّ المُسيطر على حوض المتوسط والمالك لقدم في أحد دوله فإنّ ذلك يعني السيطرة على العالم بأسره (التواجد في المياه الدافئة) لذلك نجد اليوم روسيا تسعى بكلّ جهدها لدعم نظام بشار الأسد الموالي لها والذي مكّنها (مكّن روسيا) من قاعدة عسكرية دائمة في ميناء (طرطوس) التي تستخدمها روسيا لمراقبة الولاياتالمتحدة وأوروبا وتحركاتها العسكرية والاقتصادية عبر العالم وكذلك لحماية حدودها الجنوبية وتأمينها من أيّ حصار قد تفرضه عليها الولاياتالمتحدة مستقبلا. أمّا من الناحية الاقتصادية فيعدّ حوض المتوسط والذي تعدّ سوريا أحدّ المطلين عليه طريقا للتجارة العالمية بامتياز بفعل احتوائه على أكبر المضايق (جمع مضيق) والطرق المائية (مضيق جبل طارق مضيق البوسفور والدردنيل قناة السويس ...) والذي تَعبُر من خلاله وحسب بعض الإحصائيات أكثر من 30 بالمائة من السفن التجارية والطاقوية سنويا وهو ما تفطنت له روسيا التي أخذت تستعمل الإقليم البحري السوري على المتوسط لحراسة بواخر النفط التابعة لها وخطوط إمداداتها الطاقوية.