عادة ما تحرص المرأة كل الحرص على الحفاظ على زوجها، وتفعل المستحيل حتى لا ينقصه شيء في زواجه بها، حتى لا يلتفت إلى أخرى، وتعتبر أنّ مجرد تفكيره في الزواج ثانية هو بمثابة ضربة لها ولأنوثتها وكبريائها... لكن في المقابل هناك نسوة لا يقبلن بأنّ يرتبط أزواجهن بأخريات فقط، بل إنهن يدفعنهم ويساعدنهم على ذلك. هذه الظاهرة ولو أنها نادرة، إلاّ أنها موجودة، خاصّة في المناطق الريفية والنائية، والتي من عادة الرجل فيها أن يتزوج مرتين أو أكثر، وأصبحت كل مقبلة على الزواج تدرك مسبقا أنّ زوجها لن يبقى لها وحدها، بل إنها ستتقاسمه عاجلا أم آجلا مع أخرى، لهذا فإنها تسلم بالأمر، بل إنها قد تشارك في الاحتفال بالزوجة الثانية، وفي الترحيب بها، ولم لا كسبها صديقة لها، بدل أن تكون عدوّة، رغم أنّ لكل واحدة منهنّ غرضا معينا من وراء ذلك، فمنهنّ من تفعل ذلك حبا في زوجها وطاعة له، وبما شرعه الله عز وجل للرجل وحقه في الزواج أربع مرات في قوله:»وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ«، وربما لأنها تعاني من نقص ما، كأن تكون غير قادرة على الإنجاب، أو على المعاشرة الزوجية، فتفضل أن يرتبط زوجُها بأخرى بشرط أن لا يطلقها، وأخرى تفعل ذلك لكي تبدي تسامحا وودا مصطنعين، حتى تتمكن فيما بعد من محاربة الزوجة الثانية، وإحداث مشاكل بينها وبين زوجها، قد تنتهي بالطلاق، وتظهر بعدها هي في ثوب الضحية، لكن وإن اختلفت الدواعي والأسباب، فإن الظاهرة صارت منتشرة، أو تزداد انتشاراً، ولم تعد حكراً على المناطق والولايات الداخلية، بل حتى في المدن الكبرى، وحتى بين النسوة المتعلمات اللائي عادة ما ينادين بالتحرر مما يسمينه سيطرة الرجل وتحكمه فيهن، و»إهانتهنّ« عبر الزواج بأخريات، لكن الظروف اليوم تغيرت، فكثرت ظاهرة العنوسة، وانخفضت قدرة الرجال على الزواج، خاصّة في العشر سنوات الأخيرة، وصار معدل الزواج يفوق الثلاثين سنة، وهو ما جعل النسوة لا يشترطن على الرجل ألاّ يتزوج ثانية، بل ويفرحن له ويدفعنه إلى ذلك. تقول سميّة (ربّة بيت،31 سنة) إنها ساعدت زوجها على الزواج من أخرى، لأنها تحبه، ولأنها لا تريد أن تراه تعيساً، خاصّة وأنها لم تستطع أن تنجب له أطفالاً، ورغم أنه لم يفكِّر في الزواج من أخرى، إلا أنها اعتقدت أنه من الأنانية أن تقف في طريقه، وأن تمنعه من حقه، والذي يحلم به كل الرجال، خاصة وأنها امرأة مؤمنة، وليس لها أن تُحرِّم ما حلله الله، فاختارت لزوجها امرأة صالحة، وتقشفت شهورا كثيرة، حتى يتمكن من إقامة عرس لائق، وأكثر من ذلك وقفت بجانب العروسين، ورحبت بالزوجة الثانية، ولم تبال بنظرات الاستغراب التي كان الحاضرون بالعرس يرمقونها بها، ونفس الفكرة وجدناها لدى راضية (39 سنة)، والتي ورغم أنها أنجبت ابنتين إلا أنّها كما أكد لها الأطباء، ليست قادرة على إنجاب الأولاد مرة أخرى، وهو الأمر الذي جعلها تفكر قبل زوجها في أنها لا بدّ أن تتنازل، وتسمح لزوجها بالزواج من أخرى، لعلها تكون قادرة على إنجاب الذكور، وهو الاقتراح الذي عرضته على زوجها ففرح به وبها، وبرجاحة عقلها، ووعدها بأنه لن يفرق بينها وبين الزوجة الثانية، بل أنه سيحرص على أن يجعلها لا تحسّ أنه متزوج من أخرى. وفي أحيان أخرى لا يتزوج الرجل لنقص وجده في زوجته الأولى، بل لأنّ عائلته أباً عن جد اعتادت ألاَّ تكتفي بامرأةٍ واحدة، وفي هذه الحالة تكون المرأة مجبرة على القبول بالأمر الواقع، فتستعد قبل الزواج لأن تكون لها ضرّة، ويصبح الأمر عادياً بالنسبة لها، ولهذا تفضِّل أن تختار بنفسها المرأة التي سيرتبط بها زوجُها، حتى تسيطر هي عليها وليس العكس، فتصطنع التحبب والتودد والتسامح، حتى إذا ما تم الزواج عملت على إفشاله، أما المرأة الثانية فلا تستطيع شيئا، خاصة إن كانت صغيرة، وكان زواجها الأول. وفي كل الحالات مايزال منظر المرأة التي تبحث لزوجها عن امرأة أخرى، وتشرف على زواجه بنفسها، يبدو للبعض غريبا، بل إنّ آخرين قد لا يصدقونها، ويعتبرونها من المبالغات، ولا يؤمنون بوجود امرأة في هذا الوقت يمكن أن تملك عقلا راجحا يجعلها تدرك حكمة الله في خلقه.