الشيطان إذا وسوس للإنسان ولم يجد منه سماعًا لهذا الوسواس بحث في نفس الإنسان عن هوى لشيء أو ميلًا تجاه أمر ما فيتخذه مدخلًا لإيقاعه في معصية الله عز وجل. ويروى أن إبليس قال: (أهلكت العباد بالذنوب فأهلكوني بالاستغفار فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء فهم يحسبون أنهم مهتدون فلا يستغفرون). ومن هنا جاء التحذير الإلهي لبني آدم من اتباع أهوائهم حتى لا يوردهم ذلك المهالك بل يتبعوا سبيل الله ومراده لأنه هو الصراط المستقيم ولأن سبيل الله وما شرعه فيه الصلاح والفلاح للإنسان في كل أمور الدنيا والآخرة. يقول الله تعالى: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} واتباع الهوى دليل على صدأ القلب والطبع عليه والعياذ بالله يقول تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ}. والعاقل يعلم أن جميع المعاصي إنما تنشأ من اتباع هوى النفس وتقديمه على محبة الله ورسوله لأن محبة الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وأن يكون هوى الإنسان تبعًا لذلك هو من كمال الإيمان لقول الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به) وبذلك ينغلق باب الهوى أمام الشيطان فلا يستطيع غواية الإنسان. وقد عد النبي صلى الله عليه وآله وسلم اتباع الهوى من المهلكات فقال: (ثلاث مهلكات) وعد من بينها: (هوىً متبع) وذلك لأن الهوى إذا تمكن من الإنسان وغرق فيه تمادى بصاحبه فلا يستطيع تركه يقول الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله: (سيخرج من أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكَلَب بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله) وحينها قد يصل الأمر بصاحب الهوى بأن يصبح عبدًا لهواه يقول تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ}. يقول سيدنا الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: (إن أشد ما أخاف عليك خصلتان اتّباع الهوى وطول الأمل فأما اتباع الهوى فإنه يصد عن الحق). ولا نجاة من هلكة الهوى إلا بمخالفته وقد فطن العارفون بالله والصالحون لهذا الأمر فعندما سُئل أحدهم عن داء ألَّم به فقال: (إن شئت أخبرتك بدائك وإن شئت أخبرتك بدوائك داؤك هواك ودواؤك ترك هواك ومخالفته) وقال سيدنا بشر الحافي رضي الله عنه: (البلاء كله في هواك والشفاء كله في مخالفتك إياه).