عشية إجراء الباك البيام و السانكيام ** خبراء: المنظومة التربوية أصبحت حقلاً للتجارب ** بدأ العد التنازلي لمواعيد الامتحانات الرسمية لنهاية السنة للأطوار الثلاثة التي سيكون نحو مليوني تلميذ على موعد معها وتتجه الأنظار والضغوط أيضا بشكل خاص للمقبلين على اجتياز امتحان شهادة الباكالوريا وبدرجة أقل البيام و السانكيام حيث يتفاقم قلق التلاميذ المقبلين على هذه الامتحانات ويزداد معه بصفة ملحوظة ضغط أولياء أمورهم الذين يتمادون في مطالبة أبنائهم ببذل مجهود يكون في أحيان كثيرة أكبر من قدرتهم الفكرية ما ينجر عنه آثار سلبية تنعكس بالخطورة على صحة التلميذ الجزائري. ولا يعرف كثير من الأولياء أن الضغط المستمر على التلاميذ في مرحلة الاستعداد لإجراء الامتحانات خاصة منها المصيرية يُحبط من عزيمتهم ويجهدهم مما يتسبّب ذلك في إنقاص مردودهم أو حتى العزوف عن اجتياز الامتحانات ما يتطلب من الأولياء الاهتمام بالجانب النفسي لأبنائهم أكثر من أي شيء آخر لتفادي فقدانهم الثقة بأنفسهم.. رابطة حقوق الإنسان: لا تضغطوا على أبنائكم وفي هذا الصدد دعت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان الأولياء إلى عدم الضغط على أبنائهم وعدم تهديدهم بالعقاب حتى لا يدفعوا بهم للانتحار أو تبني خيار آخر وهو الهروب من المنزل بل يجب عليهم تفهم أبنائهم ومحاولة معالجة الأسباب الكامنة وراء فشلهم ورسوبهم ويمكن ان يكون العلاج النفسي أحد المفاتيح لكشف أسباب رسوب التلميذ والسعي لإيجاد الحلول الكفيلة باستعادته الثقة في نفسه وقدراته مع الاعتماد على أسلوب التشجيع لا التهديد. وارتأت الرابطة حسب ما ورد في تقرير وقعه هواري قدور الأمين الوطني المكلف بالملفات المختصة تلقت أخبار اليوم نسخة منه إجراء التحقيق المعمق لأول مرة في الجزائر مقارنة بين الضغط النفسي للتلاميذ خلال الفترة التي تسبق الامتحانات وظاهرة العنف المدرسي وما ينتج عنه من الغش الجماعي في الامتحانات والتسرّب المدرسي حيث أدانت ما آل إليه التعليم في الجزائر. ومن هذا المنطلق حاول هواري قدور قبل الخوض في المقارنة إلى التعمّق في دراسة ومعرفة سبب تدني مستوى التعليم في بلادنا مع أهل الاختصاص بعيد عن خطابات السياسية والحسابات الضيّقة والاستقطاب السياسي الحاد بين الموالاة والمعارضة بالجزائر حيث أجمع معظم الأساتذة وحتى المختصين الذين تقاعدوا من التعليم الذين استقت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان رأيهم حول الموضوع أن المنظومة التعليمية عندنا لازالت تعتمد الحفظ والدروس النظرية ولا تعير اهتماما للفهم والتطبيق بل أكثر من هذا فقد أصبحت المنظومة التعليمية في الجزائر لا تنتج مناهج ولا برامج بل أصبحت حقلا للتجارب التي تقوم بها فرنسا حتى لا تخرج الجزائر من التبعية الثقافية واللغوية رغم أن فرنسا هي بعيدة كل البعد -حسب- تصنيف دولي للتعليم في مختلف أنحاء العالم ودليل على ذلك بعد أصبحت دول آسيوية تصدر القائمة ضمن خمس الدول الأوائل في العالم بينما تحتل فنلندا المرتبة السادسة على المستوى الدولي من المنطقة الدول الأوروبية ثم تليها في المرتبة التاسعة هولندا على المستوى العالمي في حين تحتل فرنسا المرتبة ال 23 حسب تصنيف دولي ما يبرهن بأن وزارة التربية الوطنية لا تفقه شيئا للتطوير ونقل المعرفة. لا بد من التحضير النفسي للتلاميذ قبل الامتحانات لا تزال شهادة البكالوريا تصنع الحدث في كل سنة إذ تصاحب التلاميذ المقبلين على اجتياز هذا الامتحان المصيري مخاوف عديدة تهز ثقتهم بأنفسهم وتصعّب عليهم مهمة المراجعة حيث يعيش التلاميذ المقبلون على امتحان البكالوريا على أعصابهم في انتظار امتحان الحسم. وحسب حديثنا إلى بعض التلاميذ تبين أنهم يعيشون لحظات حرجة في هذه الأيام تتفاوت أعراضها من شخص إلى آخر في ظل غياب أخصائيين نفسانيين في المؤسسات التربوية من اجل التكفل بالتلاميذ المعرضين لمؤثرات نفسية نظرا للتأثير النفسي الذي يتعرض له التلاميذ خلال فترة الامتحانات ينتابهم القلق والتوتر بسبب التشويش والوعيد في غياب الجو الهادئ الذي يسمح باستيعاب الدروس دون ضغط مفرط الذي يُعطي غالبا نتائج عكسية. وفي هذا الإطار دعت الرابطة المسؤولين في السلطة إلى تغيير نظرتهم لقطاع التعليم كونه ليس إلا قطاعا استهلاكيا ولن يكون أبدا قطاعا إنتاجيا على -حد تعبيرها- كما دعت كذلك القائمين على وزارة التربية إلى إيجاد أخصائيين نفسانيين من اجل التحضير النفسي للتلاميذ قبل اسبوع من إجراء الامتحانات وطلبت من الأولياء إلى الاهتمام بالجانب النفسي لأبنائهم بهدف مساعدتهم على التركيز وإكسابهم الثقة التي تمكنهم من إجراء الامتحان بدون خوف وإبعادهم عن كل ما يمكن أن يشتت تفكيرهم ومرورا بالضغط العائلي الذي تمارسه العائلة على المترشح حيث تؤكد على ضرورة توفير الجو الهادئ الذي يسمح باستيعاب الدروس دون ضغط مفرط الذي يُعطي غالبا نتائج عكسية. حالات انتحار وسط التلاميذ من جانب آخر تطرقت الرابطة لظاهرة لطالما أرقّت القائمين على شؤون المنظومة التربوية في السنوات الأخيرة مؤكدة ضرورة إدانة العنف الذي أصبح سائدا في الوسط التربوي والتضامن مع ضحاياه اين اشارت الرابطة إلى أنه سبق وأن كشف خالد أحمد رئيس جمعية أولياء التلاميذ أنه في سنة 2014 /2015 تفاقمت ظاهرة الانتحار وسط التلاميذ عقب الإفراج عن نتائج الامتحانات النهائية على غرار شهادتي البكالوريا والتعليم المتوسط أين تم تسجيل 10 حالات انتحار سنويا خلال الثلاث سنوات الأخيرة وسط التلاميذ ليس بسبب الرسوب المدرسي فحسب بل تخوفا من ردة فعل الأولياء الذين عادة ما ينتهجون أسلوب التهديد والوعيد مع أبنائهم حتى قبل نشر نتائج الامتحانات أو التحصل على كشوف النقاط وهو ما يجعل التلاميذ يقدمون على الانتحار أو توليده لطاقة العنف المتفجر كنتيجة للإحساس بالغضب. وفي هذا الصدد أكد باحثون في علم الاجتماع بأن أزيد من ثلاثة ملايين عائلة جزائرية تعتمد في تأديبها للطفل على العقاب الجسدي على غرار الضرب بشيء يلقى على الطفل كالحجر أو الحذاء والضرب على الرأس الوجه والأذنين والذراع وشدّ الشعر وهذا ما يجعل الطفل أول شيء يفكر به بعد الرسوب في الامتحانات هو الانتحار والتفكير الثاني الهروب من المنزل العائلي والتوجه إلى الشارع. ارتفاع وتيرة الغش الجماعي
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل انبثقت في السنوات الأخيرة ظاهرة سلبية جديدة في المنظومة التربوية وفي كل سنة تبرز على السطح ألا وهي ظاهرة الغش في الامتحانات والتي تعتبر من السلوكات الانحرافية المخلة بالضوابط الاجتماعية والتربوية وتكاد تفتك بالجسم التعليمي والمنظومة التربوية برمتها بعدما أصبحت البرامج التعليمية تعاني أغلبها عجزًا مركبًا في نظامها التعليمي. وفي هذا المجال رصدت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان تنامي ظاهرة الغش في الامتحانات وتطوير أساليبها وارتفاع وتيرتها بنسبة وصلت إلى 35 في المائة في السنوت 2011 2012 2013 2014 و2015 مقارنة مع ما كان عليه الأمر قبل الإصلاحات التي جاءت بها مجموعة بن زاغو مع ذلك قلّلت وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريط من ظاهرة الغش في الامتحانات وقالت خلال تنشيطها في يوم 13 أوت 2015 لندوة صحفية بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للطفل الإفريقي عن تسجيل 456 حالة غش في امتحانات الباكالوريا معتبرة أن حالات الغش المسجلة ببعض الولايات أمر عادي مادامت أنها أعمال فردية معزولة وليست جماعية منظمة. واستغربت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان وعد وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريط بإجراء تحقيقات لمعرفة الجهة التي تسرب الامتحانات بعد بدء الامتحان في أقل من نصف ساعة ولكن تلك التهديدات هي مجرد تسويق إعلامي تهدف إلى سياسة ذر الرماد على العيون من أجل تغطية فشل الإصلاحات التي تقوم بها وزيرة التربية الوطنية لماذا لم تجر التحقيقات حول تسريبات الامتحانات لحد الآن رغم أن الدولة الجزائرية لها كل الإمكانيات الحديثة لضبط المجرمين؟ ومن وراء عملية التجميد هذه التحقيقات ولماذا الخوف من كشف الستار؟ رغم كل هذا يتحمّل التلميذ وحده نتائج ظاهرة الغش في الامتحانات رغم أن هناك جهة نافذة ومؤثرة تقوم بتسريب الامتحانات بعد بدء الامتحان في أقل من نصف ساعة وينشر في مواقع التواصل الاجتماعي أو المواقع الالكترونية. إصلاحات بن زاغو وإلغاء أمرية بومدين وراء مرض المدرسة الجزائرية.. ولو أراد المرء تحليل المنظومة التربوية ومعرفة السبّب الرئيسي وراء الاختلالات التي تعيشها ولو عدنا بالزمن إلى الماضي القريب لوجدنا أن السبب في كل ما تعانيه المدرسة اليوم هو القانون التوجيهي الجديد الذي يعتبر الحاضن لكل السلوكات الانحرافية المخل بالضوابط الاجتماعية والتربوية والذي انبثق عن إصلاحات بن زاغو سنة 2008 وعلى رأسها التسرّب المدرسي والعنف المدرسي. وما زاد الطين بلّة إلغاء أمرية الرئيس الراحل هواري بومدين رقم 76-35 المؤرخ في 16 أفريل سنة 1976 بمنشور أمضاه الأمين العام بوزارة التربية الوطنية والتي جاءت عقب الإصلاحات الجذرية التي تقوم بها وزارة التربية الوطنية منذ عام 2000 وذلك بمحاولة تغيير المناهج التعليمية أسلوبا ومضمونا وذلك بمحو الجيل الأول للمدرسة التي جاء بها الأمر رقم 76-35 المؤرخ في 16 أفريل سنة 1976 المتضمن تنظيم التربية والتكوين في الجزائر الذي أدخل إصلاحات عميقة وجذرية على نظام التعليم في الاتجاه الذي يكون فيه أكثر تماشيا مع التحولات العميقة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية وتعويضه. بداية منذ تنصيب اللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة الوطنية في ماي 2000 ثم قرار مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 30/04/2002 لتقرير الانطلاق في الإصلاح التربوي لمواجهة التحديات المتعددة وتحقيق الشروط العلمية والتكنولوجية لضمان تنمية مستدامة الذي جاء بالقانون التوجيهي للتربية الوطنية تحت رقم: 08-04 والمؤرخ في 23/01/2008 ولكن في الأخير وبالانتقال إلى التنفيذ تأزمت الوضعية التربوية أكثر مما كانت عليه. وقبل الخوض أيضا في مقارنة بين الضغط النفسي للتلاميذ خلال الفترة التي تسبق الامتحانات والتسرب المدرسي وما ينتج عنه من الغش الجماعي في الامتحانات تم الاستناد إلى الدراسة التي قامت بها وزارة التربية الوطنية في سنة 2013 حيث سجلت من خلالها أنه من ضمن 1000 تلميذ بلغ نهاية المرحلة الابتدائية 397 تلميذا منهم فقط تمكنوا من الانتقال إلى السنة الأولى ثانوي و4 بالمائة من أصل 1000 تلميذ منهم فقط تمكنوا من الحصول على شهادات بالبكالوريا يعني 41 تلميذا من أصل 1000 ينجحون في شهادة البكالوريا حيث تخسر الدولة الجزائرية 959 تلميذا من أصل 1000 تلميذا على طول الطريق. واستنادا لتحقيقات حول الأطفال غير المتمدرسين أنجز من قبل وزارة التربية الوطنية واليونيسيف بأن حوالي 500.000 طفل يتراوح سنهم ما بين 6 و16 سنة غير متمدرسين في (الطورين الابتدائي والمتوسط) . كما سجلت الدراسة التي قامت بها نقابة مجلس ثانويات الجزائر في سنة 2011 عن وجود أكثر من 3500 حالة عنف حصلت بين تلاميذ الابتدائي و13 ألف حالة في أوساط تلاميذ المتوسط و3 آلاف في الثانوي فيما اعتدى ما يقارب 5 آلاف تلميذ على أساتذتهم والأخطر في القضية أن تلاميذ الابتدائي اعتدوا على 201 أستاذ فيما اعتدى تلاميذ المتوسط على 2899 أستاذ و1455 اعتداء حصلت من طرف الثانويين. وأضافت ذات الدراسة إحصاء اعتداءات فيما بين الأساتذة لفظيا وجسديا 501 اعتداء فيما وصلت حالات اعتداء الأساتذة على التلاميذ وفي مختلف الأطوار 1942 حالة. وحسب نفس نقابة مجلس ثانويات الجزائر فإنها سجلت 40 بالمائة من التلاميذ لهم سلوكات عدائية في حين أن 60 بالمائة من مجمل 8 ملايين تلميذ لهم تصرفات وأفعال عنف. أين خلايا الإصغاء؟ وعليه تساءلت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان: هل فعلا السياسة التربوية الجديدة جاءت لتستجيب لطموحات الأمة؟ وهل فعلا إصلاحات الجيل الثاني التي تقوم بها وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريط تخدم الهوية الوطنية وفقا مبادئ إعلان أول نوفمبر 1954؟ بالإضافة إلى طرحها سؤالا عن خلايا الإصغاء والمتابعة النفسية والتربوية المنصبة على مستوى الثانويات والمتوسطات التي جاءت بها تعليمة تحت الرقم 300.0.315 موجهة إلى مدير التربية ومفتشي التربية والتكوين ومديري الثانويات والمتوسطات؟ وعن الجهة التي تسرب الامتحانات بعد بدء الامتحان في أقل من نصف ساعة وينشر في الموقع التواصل الاجتماعي أو المواقع الالكترونية؟ قائلة: أين هي التحقيقات حول تسريبات الامتحانات التي قالت عنها وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريط ومن وراء عملية التجميد هذه التحقيقات ولماذا الخوف من كشف الستار؟ .