المسجد الأقصى ثاني مسجد وضع في الأرض حيث يعتقد أغلب العلماء أن الملائكة أو آدم عليه السلام أو أحد أبنائه هو الذي بنى المسجد الأقصى بعد أن بني المسجد الحرام بأربعين سنة.. ففي صحيح مسلم من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: أي مسجد وُضِع في الأرض أولا؟ قال: المسجد الحرام قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة وأينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد. وبعد الطوفان الذي غمر الأرض في عهد نوح عليه السلام ليبق لبناء آدم أثر. لكن الأرجح أن أول من بناه هو آدم عليه السلام اختط حدوده بعد أربعين سنة من إرسائه قواعد البيت الحرام بأمر من الله تعالى دون أن يكون قبلهما كنيس ولا كنيسة ولا هيكل ولا معبد. فقد ذكر ابن هشام في كتاب التيجان في ملوك حمير ج1/ 22 ط1 مركز الدراسات والأبحاث اليمنية 1347ه أن آدم عليه السلام بعد أن بنى الكعبة: ثم أمر الله تعالى آدم بالسير إلى البلد المقدس فأراه جبريل كيف يبني بيت المقدس فبنى بيت المقدس ونسك فيه. وكما تتابعت عمليات البناء والتعمير على المسجد الحرام تتابعت على الأقصى المبارك فقد عمَّره سيدنا إبراهيم عليه السلام حوالي العام 2000 قبل الميلاد ثم تولى المهمة أبناؤه إسحاق ويعقوب عليهم السلام من بعده كما جدد سيدنا سليمان عليه السلام بناءه حوالي العام 1000 قبل الميلاد. فقد جاء في سنن ابن ماجة عَنْ عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عَنْ النبي صلى الله عليه وسلم قال: لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَأَلَ اللَّهَ ثَلَاثًا: حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ وَمُلْكًا لَا يَنْبَغِي لَأَحَد مِنْ بَعْدِهِ وَأَلَّا يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ أَحَدٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ_ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا اثْنَتَانِ فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ. وهذا الحديث يبدو في ظاهره متعارضا مع ما قاله العلماء من بناء آدم عليه السلام لبيت المقدس وقد أجاب ابن الجوزي والقرطبي وغيرهم عن هذا الإشكال وارتضاه الحافظ ابن حجر في فتح الباري بأن سليمان عليه السلام قام بتجديد وتوسعة المسجد الأقصى بعد أن كان موجودا أصلا منذ آدم عليه السلام تماماً كما رفع إبراهيم عليه السلام قواعد البيت الحرام بعد أن كان موجودا أصلا منذ آدم عليه السلام وذلك بعد تعاقب الزمن على البناءين الأساسين والطوفان الذي كان في زمن نوح عليه السلام وغمر الأرض وقتها وعلى ذلك فمقصود الحديث إن سليمان -عليه السلام- جدّد بناءه وهيئه للعبادة وليس المقصود أنه أنشأه والله تعالى أعلم ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في تعيين بنائه سوى هذين الحديثين.