بقلم: معن البياري أعلن إرييل شارون مرّةً إنه يقرأ شعر محمود درويش وأعجبه ديوان (لماذا تركت الحصان وحيداً) وقال إنه يحسُد الفلسطينيين على علاقتهم الوجدانية بالأرض وكما يعبّر عنها درويش خصوصاً. كشف ذلك الكلام لإرهابيّ صهيونيّ عتيد مقدرةً خاصةً في بعض الشعر الفلسطيني على إحداثِ ما يمكن اعتباره ارتجاجاً في وعي المحتلّ الإسرائيلي. وقد عقّب درويش بأن في وسع شارون أن يشفي نفسَه من حسده الفلسطينيين على ارتباطهم بأرضهم بأن ينسحبَ منها. إذا كان جنرالٌ إسرائيلي وجد في شعر درويش ما يعجبه فإن غضبة وزير الحرب الراهن أفيغدور ليبرمان من بثّ مقابلة في إذاعة جيش الاحتلال الثلثاء الماضي عن درويش وقراءة إحدى قصائده فيها تصبح متوقعةً فقد استنطق الضابط المسؤول في الإذاعة بشأن هذا التهوّر كما قرأنا ذلك أنها بحسبِه قضيةٌ خطيرةٌ أن تتحدّث محطةٌ عسكريةٌ عن شخص كتب نصوصاً ضد الصهيونية تشحن العمليات الإرهابية ضد إسرائيل. أما زميلته وزيرة الثقافة ميري ريغيف فقالت إنّ خوفاً أصابها لسماعها ذلك البرنامج. واعتبرت أن من غير المعقول أن يموّل الجمهور الإسرائيلي بثّاً يمسّ أحاسيسه ويمنح منبراً للرواية الفلسطينية التي تعترض على وجود دولة إسرائيل. وقد ردّت الإذاعة على هذه التهم الثقيلة بأن المقابلة مع المترجم للعبرية الفلسطيني الطيب غنايم وقراءة (سجّل أنا عربي) فيها كانت في برنامج لطلبة وأكاديميين جامعيين في مساق تعليمي. وعلى ما طالعنا جاء البرنامج على مزج درويش بين الحبّ والوطن وسمّاه شاعر الثورة والوطن. يؤكّد تخريف المذكوريْن ما هو مؤكّد ومنه أن ما كتبه يوري أفنيري مرّة بعيدٌ وما ينفكّ يستحيل وهو أن السلام الحقيقي بين الفلسطينيين والإسرائيليين يتحقّق عندما يبدأ التلاميذ العرب دراسة قصيدة مناحيم بياليك وادي الموت ويقرأ الطلاب الإسرائيليون في مناهجهم أشعار درويش عن النكبة. .. ما يشتهيه داعية السلام الإسرائيلي والمحارب في حرب 1948 التي أحدثت النكبة ليس ممكناً لأن الجوهريّ في الصراع ليس في هذا المطرح. وليس منسيّاً رفض رئيس الحكومة في حينه إيهود باراك مقترح وزير التعليم يوسي ساريد في العام 2000 تدريس قصيدتيْن اختيارياً في مناهج التعليم الإسرائيلية. وساريد هذا هو الذي قال لاحقاً في تأبين فلسطينيّ لدرويش (!) إنه كان حريّاً بدرويش أن يكون مثل مناحيم بياليك (1873- 1934) وافترى على درويش بالزّعم إنه أبلغه ندمه على قصيدة عابرون في كلام عابر الأمر الذي لا يقبل التصديق وإنْ لم يكن الشاعر الراحل يعتدّ بهذا النص فنياً واعتبره مقالةً وأدرجه في كتاب ضمّ مقالات له أعطاه العنوان نفسه. ومعلومٌ أن إسحق شامير هاج وماج في جلسة في الكنيست في 1988 غاضباً من تلك (القصيدة) التي أجمع الإسرائيليون يمينُهم ويسارُهم عامّتهم ونخبتهم على استفظاعها. ويجوز إدراج خوف الوزيرة الإسرائيلية من قصيدة لدرويش في إذاعة جيش الاحتلال المهدّدة بالإغلاق ضمن ما يتبين أنها صلةٌ كابوسيّة بين إسرائيل وشعر درويش. ربما يجيب درسٌ ثقافي تحليلي لها على سؤال عن سبب قول الروائي عاموس عوز إنه رغب مرّات في أن تتفهّم قصائد درويش وجعه أيضاً هو اليهودي الإسرائيلي لا وجع درويش الفلسطيني وحده. كأن عوز لا يريدُه أن يكون شاعراً فلسطينياً خالصاً فقد قال إن درويش تأثّر بشعر مناحيم بياليك وإنهما لو التقيا لعثرا على لحن نفسي مشترك... لم يكن محمود درويش ليجد حرجاً في أن يقول إنه تأثّر ببياليك لو أنّ هذا صحيح وهو الذي تحدّث مرةً عن إعجابه بشعر إيهود عميحاي (1924 _ 2000). لم يأت أبداً على شاعر إسرائيل القومي بياليك الذي كان يرى فلسطين أرض صهيون فيما هي لديه (سيّدة الأرض وأم البدايات وأم النهايات). لو لم تكن فلسطين كذلك عنده لما أخافت قصيدةٌ له في إذاعة جيش الاحتلال ميري ريغيف ولما أغضبت زميلها المولدافي المستوطن أفيغدور ليبرمان.