بقلم: عميرة أيسر* تُعتبر الجزائر من البلدان المطلَّة على البحر الأبيض المتوسط وتاريخياً كان هذا البحر هو المنفذ الاستراتيجي وبوابتها على العالم الخارجي والقارة الأوروبية العجوز وحتَّى الخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط. فالجزائر التي تعتبر بلداً بحجم قارة ويعتبر البحر شريان مبادلاتها الاقتصادية والتّْجارية الأساسي والمزوِّد الرئيسي لها بالمنتجات والسِّلع الأساسية وكذلك ومن أهم وسائلها لنقل إنتاجها النَّفطي ونقله إلى ربوع قارات العالم الخمسة ولعب دوراً تاريخياً في تلقيح المُجتمع الجزائري وتزويده بمختلف الثقافات والحضارات التي صنعت التَّمازج والتزاوج الاجتماعي والقبائلي والمناطقي الذي يميز ربوع الوطن الجغرافية ولأهمية الجزائر الجيواستراتيجية والسِّياسية باعتبارها بوابة القارة الإفريقية الشَّمالية الأكثر أهمية وتأثيراً في تغيير المعادلات والتوازنات ولعبة المصالح الدولية ولذلك كان البحر هو بوابة الغزاة التي استطاعوا من خلالها احتلال الجزائر وغزوها بداية من الاحتلال الوندالي إلى الروماني إلى التُّركي إلى الفرنسي وقبله الإسباني للجزء الغربي منها كمدن معسكر وتلمسان. وخاصة بعد تدمير الأسطول البحري الجزائري الذي يمتدُّ تاريخه إلى سنة1815وكان لقرون بدون منازع سيِّد البحر الأبيض المتوسط وكانت دول العالم العظمى كفرنسا وبريطانيا وحتى أمريكا لا تجرأْ على الإبحار فيه إلاَّ بموافقة داي الجزائر وبعد دفع مبالغ مالية طائلة سنوياً من أجلِ حمايتها من القراصنة وهجماتهم وتغيرت المعادلة بعد معركة نافرين التَّاريخية وهزيمة الأسطولين الجزائري والعثماني في سنة1827بعد الخديعة الكبرى المعروفة. وبعد الاستقلال عملت القيادة العسكرية والسِّياسية على إعادة بناء الأسطول البحري الجزائري وأعادت الهيبة والمكانة البحرية التي كانت تتسم بها القدرات الدفاعية البحرية الجزائرية. وقامت بعدة خطوات جبارة في هذا الاتجاه ولتنفيذ استراتيجيها العسكرية والأمنية والتي تعتمد على امتلاك أسطول بحري متقدِّم ومتطور وامتلاك الخبرات والمعرفة العلمية والمؤهلات الميدانية البحرية التي تعتمد على تكوين الكوادر البشرية المتخصصة على أساليب إتقان فنيات الرَّصد والمتابعة الدقيقة لأهداف و دراسة العلوم البحرية العسكرية وفي أرقى المعاهد البحرية العالمية وخاصة في مدارس الاتحاد السُّوفيتي السَّابق وذلك لمجابهة الأخطار التي واجهتها البلاد وقتها و التي كان منْ أهمها ربَّما التهديدات الفرنسية المستمرة بإعادة احتلال الجزائر ومواجهة الأساطيل البحرية الأوروبية التي استغلت تلك الفترة لمحاولة فرض أمر واقع في المياه الإقليمية الدَّولية والتوغل في مساحات ممنوعة قبالة السُّواحل والشواطئ الجزائرية وبعد انهيار الاتحاد السُّوفيتي وتحول العالم إلى الأحادية.في تلك الفترة العصيبة من التاريخ الحديث عرفت البلاد أزمةً أمنية صعبة امتدت طيلة سنوات التَّسعينات من القرن المنصرم وفي ظلِّ الخناق السِّياسي والاقتصادي وحتى الدبلوماسي والعسكري الذي مرت به الجزائر لم تهمل يوماً أمنها الاستراتيجي البحري فعملت على تكوين القوات البحرية وقوات خفر السَّواحل على أساليب مكافحة الإرهاب ومنع تسلُّل عناصره من وإلى أوروبا من أجلِ استهداف المنشآت الحيوية الجزائرية التي تقع ضمن سواحل البلاد كمصفاة النَّفط في سكيكدة ومحطات تحلية البحار وغيرها من المنشآت الإستراتيجية والعالية الحسَّاسية وفي السنوات الأخيرة قامت الجزائر بشراء طرَّادات بحرية وسفن حربية بعشرات المليارات من الدولارات كان أهمها ربما سفينة الغراب الفاتح أو الظَّافر وهي من أحدث السُّفن الحربية المتطورة تكنولوجياً والتي يمكن أن تؤدي عدَّة مهام متعددة في آن واحد وهي من طراز (C28A)وهي من إنتاج صيني تنفيذاً لاتفاقية التَّصنيع العسكري الموقعة بين الجانبين الجزائري والصيني والتي تقضي بصناعة 3 سفن حربية متطورة. وتستعد الجزائر لاستلام القطعة الثالثة من هذه النوعية قريباً بالإضافة إلى مجموعة متطورة من غواصات كيلو الروسية والتي تمتلك البحرية الجزائرية منها أربعة حالياً تعمل على وقود الدِّيزل. وقد ذكر موقع نيفي ريكوجنيشن الفرنسي بأنَّ الجزائر ستستلم غواصتين من نوع الديزل كيلو الأحدث بنهاية سنة 2018 روسيتا الصُّنع كذلك مما سيجعل الأسطول الجزائري البحري من الأقوى في المنطقة ممَّا يُعزز الإستراتيجية الدِّفاعية الأمنية لجزائر.زيادةً على أحدث قطعة بحرية في البحرية الوطنية وهي حاملة الحوا مات قلعة بني عبّاس والتي تعتبرُ من أكثر السُّفن البحرية المخصصة للإنزال والدَّعم اللوجستي تطوراً في العالم وتستطيع تغطية حوالي100كلم رادارياً كما يمكن لها أنْ تدافعَ عن نفسها ضدَّ الطائرات المهاجمة ومن أيِّ نوع كانت ولمسافة تزيد عن30كلم ويمكنها أيضاً حمل5 مروحيات دفعةً واحدةً كما أنَّها مزودة بمستشفى ميداني طبِّي يمكن أن يطفو على الماء وبه أكثر من50 سريراً وأزيد من6 غرف عمليات متطورة طبياً. وتركِّز الإستراتيجية الأمنية البحرية الجزائرية حالياً على حماية الشَّريط السَّاحلي الذي يمتد لأكثر من 1200كلم من الشَّرق إلى الغرب من الهجرة غير الشَّرعية وتجارة الأسلحة وكذلك حمايتها من الإرهاب وتنظيماته مثل داعش التي يمكن تتسلَّل من الحدود البحرية الليبية لتنفيذِ هجمات إرهابية انطلاقاً من الشَّريط السَّاحلي للبلاد وكذلك إحباط أيِّ محاولات للتَّجسس من طرف البلدان وأجهزة المخابرات التي تعادي البلاد وعلى رأسها المُوساد الإسرائيلي وجهاز المخابرات الفرنسية عن طريق المنافذ البحرية الوطنية وخطر تجارة المخدرات العابرة للقارَّات ورغم كل الجهود التي بذلتها الجزائر من أجلِ تنفيذ إستراتيجية أمنية بحرية صارمة لحماية أمنها القومي والإقليمي وذلك من خلال توقيع اتفاقيات بحرية مع الاتحاد الأوروبي وعدد من الدول الإفريقية لتبادل المعلومات والخبرات في ميدان مكافحة الإرهاب وتجارة البشر ولكن تبقى غير كافية في ظلِّ ازدياد الأخطار المحدقة بالبلاد من كل حدب وصوب وخاصة بعد أحداث الربيع العربي ودخول البلاد في أزمة اقتصادية حادَّة قد تقلص من الميزانية الدِّفاعية الوطنية مما ينعكس سلباً على تعزيز وتطوير قدراتها الأمنية البحرية في نهاية المطاف.