بقلم: إلياس خوري* الدم الذي سال في أم الحيران فوق أنقاض البيوت المهدمة أزهر في مظاهرات النساء في واشنطن وفي كل مدن أمريكا والعالم. هنا يهدمون البيوت ويدمرون قرية مهجّرة من أجل تهجيرها من جديد وهناك يهدمون القيم والمعاني حيث تلتمع اللغة الفاشية بنصل السكاكين التي تُسنّ من أجل أخذ العالم إلى مسلخ دموي جديد. هنا في فلسطين ينتفض الطلاب الفلسطينيون في الجامعة العبرية في وجه عميلين تافهين جاءا للعق حذاء المحتل وإهانة الشعب السوري وازدراء تضحياته وهناك ينتفض الضمير في وجه رئيس أمريكي يتكلم لغة الكراهية والتسلط واحتقار المرأة ويسعى إلى إذلال الأقليات باسم هيمنة بيضاء آفلة. في أم الحيران سال الدم كأنه امتداد للدم السوري لكن المدعُوَين عصام زيتون وسيوران قجو وقفا على منصة المحتل العنصري كي يلوثا ثورة الشعب السوري فسمعا صرخة الطلاب الفلسطينيين: (الشعب السوري بده حرية مش عملاء). هنا وهناك لن نخاف وبيروت أيضاً لن تخاف لا الإرهاب الاجرامي الذي حاول ليل السبت الماضي أن يحوّل ليلها إلى جحيم يخيفها ولا الطبقة الحاكمة التي حولت الجمهورية إلى منهبة ترهبها. للحرية لغة واحدة هنا وهناك للحرية صوت واحد وتستطيع أن تتكلم لغة واحدة لقد وحّد الفاشيون والعنصريون والمستبدون والأصوليون العالم في المواجهة وما على الديمقراطيين والمدافعين عن حق الإنسان في كرامته الإنسانية سوى التوحد في لغة المقاومة. لغة المقاومة واحدة نصوغها من جديد ونكتب بها الألم والأمل ونخوض من خلالها معركة الصمود في وجه الوحش الفاشي العنصري الذي يريد إطفاء البريق في عيون أطفالنا. ما جرى في أم الحيران القرية البدوية الفلسطينية التي هُجّرت عام 1956 وأعيد تهجيرها الآن كي تُهجّر بعد سنوات من جديد لا يشير فقط إلى وحشية المحتل الاسرائيلي وعنصريته واصراره على تحويل نكبة الشعب الفلسطيني إلى نكبة يومية مستمرة بل يشير أيضاً إلى أن هذا الوحش المدجج بالسلاح والكراهية هو امتداد لوحش الكولونيالية الذي صار اليوم أخطبوطاً عنصرياً شعبوياً احتل البيت الأبيض. ترامب الذي يُحسن تبسيط اللغة كي تصير وعاء للحقد هو الوجه الآخر لنتنياهو ولفيفه العنصري. هناك يريدون إذلال النساء والأقليات وهنا يريدون تحويل الأقلية اليهودية إلى اداة لإذلال ابناء البلاد واصحابها. معركة واحدة بأسماء متعددة الفاشي الأمريكي يريد نقل سفارته إلى القدس اعترافاً باحتلالها والعنصري الإسرائيلي يريد تطهير الأرض من أهلها وكلاهما يرى في المستبد السوري عقاباً لنا على صرخة حريتنا وفي الوحش الأصولي مرآة لصورتنا يسهل تحطيمها. غول واحد برؤوس متعددة وجد في دونالد ترامب رأسه المفقود فتفلّت من كل الضوابط معلناً الحرب على القيم الانسانية والأخلاقية معتقداً أن الماضي النازي يمكن استعادته بلغة شعبوية بذيئة تتفنن في محاربة الثقافة والإعلام وتتمترس خلف أحلام بائدة. إنه الانحدار إلى الحضيض. وفي الحضيض لن يجدوا سوى مقاومتنا نقاوم مع نساء أمريكا وسودها ومسلميها وعربها نقاوم مع المهاجرين والمهجرين نقاوم بالإسبانية والعربية والإنكليزية وبكل اللغات كي نحمي اللغة من البربرية نقاوم المغول والفرنجة والمستعمرين الصهاينة نقاوم نكبة العالم ونكبتنا في هذا العالم. معركة واحدة نساء سوريا اللواتي تعرضن لأبشع أنواع الإذلال على أيدي سفاحي داعش والنصرة والإيزيديات السبايا اللواتي حمين شرفنا المهدور يجدن أنفسهن اليوم مع نساء أمريكا اللواتي ينتفضن. وضحايا سجون الأسد وبراميله هم الوجه الآخر للضحايا التي تُعد لاحتفالات البيت الأبيض في واشنطن وأهل أم الحيران في نكبتهم المتجددة هم المستقبل الذي يستعد الفاشيون والعنصريون لتعميمه على العالم. إسرائيل الدولة العنصرية التي تغطت طويلًا بخطاب السلام الكاذب تكشف عن وجهها الحقيقي وتعلن أنها الحصن الأخير للدفاع عن نظام التمييز العنصري الذي تهاوى في جنوب أفريقيا. وأمريكا الترامبية تستعيد (أمجاد) سلخ فروات الأمريكيين الأصلانيين التي أطلقت عليهم اسم الهنود الحمر عبر رئيس يتسلم مفاتيح الهاوية. لا تخافوا إنهم أقوياء لأننا منقسمون (يتبرطعون) باللغة لأننا نسينا لغتنا ويتسلطون لأننا خفنا واستهولنا الجنون الذي بدأ في الحرب الأمريكية على العراق واستُكمل في غزو سوريا من كل الفاشيين والعنصريين الذين جاء بعضهم لدعم الديكتاتور وجيء ببعضهم الآخر من أجل تلويث ثورة الشعب السوري بالوسخ التكفيري الطائفي. إنهم أقوياء لأننا استسلمنا وسمحنا للسفهاء واللصوص بالاستيلاء على قضية فلسطين فشعر العنصريون الصهيونيون بأنهم يملكون ضوءا أخضر من أجل استكمال زرع أرضنا بالاستيطان والكراهية والحقد. لا تخافوا إنها معركة واحدة شرط نجاحها هو طرد الدجّالين من صفوفنا. لقد وجدت الصهيونية بيتها الحقيقي في الترامبية فلنحاصرها هناك. (هذا التقاطع بين الصهيونية والخطاب الترامبي المليء باللاسامية المعلنة والمضمرة مسألة يجب بحثها والتمعن في دلالاتها من أجل بلورة خطاب نقدي جديد يضع قضية فلسطين في مكانها الصحيح كجزء من النضال التحرري في العالم). لا تخافوا إنها معركة مصنوعة من عشرات المعارك وهي معركة صعبة وقاسية وشرسة لكن علينا أن نعي أننا نقاوم الوحش الذي يريد إعادتنا إلى عهود الظلمات.