بعيدا عن النقص الكبير في الأدوية وقلة المراكز الطبية المتخصصة ومخابر إجراء التحاليل وضعف التكفل النفسي والطبي عموما، الذي يعاني منه العديد من المصابين بمرضى التهاب الكبد الفيروسي، بتعداد إجمالي قدر بحوالي 1.5 مليون مصاب بالجزائر، فإن هنالك مآس اجتماعية أخرى لا تقل عن ما سبق يعاني منها هؤلاء المرضى، منها عدم قدرتهم على إتمام نصف دينهم، خاصة بالنسبة للمصابين بالنوع »ب« من هذا المرض، ذلك أن فيروس الالتهاب الكبدي الفيروسي »ب« يتواجد في الدم وسوائل الجسم الأخرى مثل السائل المنوي، الإفرازات المهبلية، حليب الأم، الدموع، واللعاب، وتتم العدوى عند التعرض لهذه السوائل أثناء المعاشرة الجنسية، أو استخدام إبر ملوثة، أو عن طريق الفم، أو عن طريق جرح أو خدش في الجلد، ما يجعل الزواج بالنسبة لهؤلاء حلما مستحيلا أو على الأقل مشروعا مؤجلا إلى حين. وبمقدور فيروس الالتهاب الكبدي الفيروسي (ب) العيش على سطح المواد الملوثة لمدة شهر، ومن الممكن الإصابة به من خلال المشاركة في استخدام أدوات الحلاقة أو فرش الأسنان، وبالتالي فإن هذا الفيروس ينتقل بسهولة من الأم إلى الجنين وبين أفراد العائلة وهو لا ينتقل عن طريق التعاملات البسيطة مثل المصافحة والقبلات العادية التي لا تحمل لعابا أو تناول طعام تم إعداده عن طريق شخص حامل للفيروس أو زيارة مصاب بالمرض أو اللعب مع طفل حامل الفيروس أو عن طريق العطاس أو السعال أو الأكل والشرب من وعاء واحد. ويجد الكثير من المصابين، ذكورا كانوا أم إناثا، صعوبات كبيرة في إيجاد طرف آخر يقبل بالعيش معهم في ظل هذا المرض، وليس هنالك من يرضى بظلم الآخرين وإخفاء حقيقة إصابته بمرض كهذا عنهم، خاصة وأن الإجراءات الجديدة قبل إتمام أي عقد زواج تتطلب إجراء تحاليل طبية من شأنها الكشف عن أية أمراض خفية أو مجهولة لدى المتقدمين للزواج، وبطبيعة الحال فإن هناك كثيرين يرفضون الارتباط بأشخاص مصابين بمرض من السهل انتقاله إليهم، ونقله بعد ذلك إلى أطفالهم ما يعني إصابة الأسرة بأكملها بالمرض، هذا على الرغم من وجود الكثير من الاكتشافات الطبية الحديثة حول هذا الداء، والتي تبحث يوميا عن سبل مثلى للعلاج بغية الوصول إلى الشفاء منه كليا، وقد قطعت الجزائر أشواطا كبيرة في هذا الإطار، وتمكنت بالفعل من تقليص عدد المصابين بالمرض، ومن المنتظر حسب ما كشفت عنه الجمعية الوطنية لمكافحة التهاب الكبد الفيروسي أن تصل نسبتها إلى حوالي 75 بالمائة مع البدء باستعمال الأدوية الجديدة. وعلى الرغم من أن المصابين بهذا النوع من التهاب الكبد بإمكانهم التعايش معه، خاصة مع متابعتهم للعلاج، ووجود الكثير من الأبحاث بصفة مستمرة لإيجاد أدوية أخرى ذات فاعلية كبيرة وأقل مضاعفات تمكنهم من تحقيق نجاحات كبيرة في حياتهم على الصعيد الدراسي والمهني، إلا أن مشكلة إيجاد شخص يقبل بالارتباط بهم، تبقى مشكلة حساسة، ومن بين هؤلاء أحد المرضى البالغ من العمر حاليا 40 سنة وقد أصيب بالمرض وهو في سن 14 سنة، ويتمتع الآن بصحة جيدة وبمنصب مرموق، إلا أنه اعترف خلال اليوم الدراسي الذي نظم حول مرض التهاب الكبد من طرف الجمعية الوطنية لمكافحته، أنه لم يتمكن لحد الآن من الزواج بسبب عدم إيجاده فتاة تقبل بمرضه. وذكر الأطباء المشاركون، حالة فتاة كانت راقدة بالمستشفى تعالج من مرض التهاب الكبد الفيروسي رفقة خطيبها عندما دخلت عليهما ممرضة وسألته مستغربة عن سبب بقائه معها إلى هذا الوقت رغم إصابتها بهذا المرض الخطير، فنهرها وأوقفها عند حدها، ما اعتبرته المريضة دليلا على صدق خطيبها وتمسكه بها. وقالت إحدى الطبيبات المشاركات في اليوم الدراسي إنه من خلال الحالات التي تمر عليها تلاحظ أن النساء أكثر تقبلا للعيش مع شخص مصاب بهذا المرض من الرجال، خاصة إذا كانت الإصابة بعد معرفة بينهما، إذ تجد الفتاة صعوبة في التخلي عن شريكها، وربما يعود ذلك إلى الطبيعة الأنثوية الحساسة والمرهفة، وبصفة عامة يذكر الأطباء أنه من الواجب إلزام المقبلين على الزواج بإجراء فحص التهاب الكبد »ب«، للكشف عن الفيروس وعلاجه قبل انتقاله إلى الطرف الثاني، وضرورة تطعيم الطرف غير المصاب خاصة وأنه أثبت فعالية كبيرة، ما يعني أن الإصابة بالفيروس لا تمنع الزواج بأي حال، كما أن النساء الحوامل اللواتي يحملن هذا الفيروس ينقلن العدوى لأطفالهن عند الولادة، ولهذا يجب عليهن إجراء اختبار التهاب الكبد »ب« خلال فترة الحمل لمعرفة ما إذا كن مصابات به أم لا، ولابد من تطعيم جميع الأطفال بعد الولادة مباشرة لحمايتهم من الإصابة بهذا المرض ولإكسابهم مناعة تستمر معهم لمدة طويلة، فالتطعيم الإجباري لجميع المواليد يقيهم شر الإصابة بهذا الفيروس وهو فعال في حدود %95.