- مساهمة: سايل سعيد* تعتبر العلاقات التركية - الإفريقية علاقات ضاربة في التاريخ بفعل التواجد العثماني تاريخيا في شمال إفريقيا منذ القرن الخامس عشر لغاية الاحتلال الأوروبي الفرنسي البريطاني والإيطالي لشمال إفريقيا (الجزائرتونس ليبيا ومصر) والذي نجح في إبعاد الدولة العثمانية التي ورثتها تركيا الحديثة من القطر الإفريقي. الدولة العثمانية التي خسرت في الحرب العالمية الأولى عندما تحالفت مع ألمانيا ضد الدول الإمبريالية الأوروبية (فرنسا وبريطانيا) اللتان خطّطتا من أجل وراثة ما كان يسمى آنذاك بأملاك الرجل المريض (الدولة العثمانية) وهو ما تمّ لها في الشرق الأوسط بعد نجاحها منذ القرن التاسع عشر في احتلال شمال إفريقيا وطرد العثمانيين من هناك. هذا الواقع التاريخي بقي بمثابة عقدة سياسية وجيواستراتيجية لدى تركيا الحديثة خاصة بعد تبلور نظام سياسي تركي جديد بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان والذي يملك طموحات دولية جد جريئة بالنسبة لدور الدولة التركية في العالم والعلاقات الدولية حيث لا تخفي الحكومة التركية منذ العام 2000 تاريخ وصول هذه الشخصية للسلطة لا تخفي سياستها الخارجية الجديدة التي أقامتها على مساعي التغلغل والتوسع الدولي القائم على منافسة بقية القوى الدولية التقليدية منها والصاعدة وهي بالتالي السياسة التي ترغب عبرها تركيا في إعادة بعث أمجادها التاريخية خاصة في منطقتي الشرق الأوسط وإفريقيا. فبفعل النجاح المتواصل لتركيا اقتصاديا تجاريا دبلوماسيا وثقافيا وبفعل التنمية والتطور الكبير الذي تشهده هذه البلاد مما جعلها في المراتب الأولى عالميا في بعض المجالات الاقتصادية على غرار تبوئها للمرتبة السابعة عشر من حيث القوة الاقتصادية عالميا وجدت تركيا نفسها بحجم سياسي واستراتيجي يفوق ويتجاوز جغرافيتها التقليدية بأشواط كثيرة فتحولها لقوة اقتصادية ناشئة وتبوئها لعضوية مجموعة دول العشرين (G20) وغير ذلك أعطاها شرعية البحث عن أدوار دولية مؤثرة في شتى مناطق العالم بما في ذلك القارة الإفريقية. ومن أجل تحقيق هذا الهدف شرعت تركيا منذ عدة سنوات في فرض منافسة شرسة لها في إفريقيا مع عدة قوى دولية على غرار الصين والهند وغيرها ومن أجل ذلك بادرت تركيا مثلا في عقد قمم سنوية تجمع بينها وبين الاتحاد الإفريقي والتي تستغلها تركيا لزيادة تأثيرها وتغلغلها في القارة عبر طرح مبادرات ومشاريع شراكة وتعاون في المجالات المختلفة الاقتصادية منها والسياسية مثل الوساطات والاستثمارات وغيرها فقد أكدّت عدة إحصائيات تابعة لعدة منظمات اقتصادية دولية أنّ حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة التركية في إفريقيا قد بلغ العام 2015 سقف العشرين (20) مليار دولار يضاف لها حجم مبادلات تجارية بينية يعد أيضا بعشرات الملايير من الدولارات ناهيك عن التأثير الثقافي المتنامي لتركيا في إفريقيا كالصناعة السينمائية وكذلك عبر استغلال الماضي العثماني في شمال إفريقيا مثل تكفل تركيا بترميم مسجد كتشاوة في العاصمة الجزائرية وكذا عبر طرق أخرى على غرار تقديم تسهيلات هامة بخصوص منح تأشيرات تركية لمواطني دول شمال إفريقيا الراغبين في زيارة هذه الدولة. وعليه ظهر لنا ومن خلال ما سبق ما لتركيا من دور سياسي اقتصادي تجاري وثقافي متنامي يوما بعد يوم في إفريقيا التي جعلتها تركيا أحد أهم مناطق التغلغل والانتشار لها في العالم وبالتالي تدخل إفريقيا ضمن أولويات تركيا في سياستها الخارجية وجزءا رئيسيا من أمنها القومي والذي يجب الحفاظ عليه مهما كلفها الأمر.