نقلت مديرة الدراسات بالمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، السيدة دوروتي شميد، التخوفات الأوروبية من الطموحات المتزايدة لتركيا من أجل بسط سياستها على منطقة الشرق الأوسط، عقب التطورات الأخيرة التي عرفتها بعض الدول العربية، مشيرة إلى أن الشرق الأوسط لطالما كان بمثابة مخبر لهذه الطموحات، في الوقت الذي لم تنف فيه اهتمام أوروبا بهذه الدولة باعتبارها حليفا استراتيجيا يمكن الاعتماد عليه في مواجهة الأزمات في العالم الإسلامي. وتطرقت السيدة شميد في محاضرة ألقتها، أمس، بفندق الهيلتون بالعاصمة، في إطار سلسلة اللقاءات ”قواسم دولية” التي ينظمها المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية الشاملة، إلى المسار التاريخي لتركيا، بدءا من العهد العثماني إلى وقتنا الحالي، وذلك في قراءة حملت إسقاطات على التطورات التي تشهدها المنطقة العربية ككل. وعكس ما كان منتظرا لم تسهب المحاضرة الفرنسية في الحديث عن الموضوع المتعلق بإشكالية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي وانعكاساتها على العلاقات بين ضفتي المتوسط، والذي كان عنوان محاضرتها، مفضلة الحديث عن السياسة التركية في منطقة الشرق الأوسط مع إرجاء موضوع انضمام أنقره إلى الاتحاد الأوروبي إلى النقاش. وتحدثت السيدة شميد عن القدرات التي تتوفر عليها تركيا مما جعلها منذ سنوات تصنف ضمن الدول الناشئة قبل أن تعرف سياستها الدولية تحولات في ظل التطورات التي شهدتها الدول العربية، مشيرة في هذا الصدد إلى ما أسمته بمحاولات تغلغل جديدة للأتراك في هذه المنطقة التي كانت تحت وصاية الدولة العثمانية. وإن كانت أساليب التغلغل تختلف من حيث أنها أضحت مرتبطة بمعطيات استراتيجية جديدة، فإن مديرة المعهد الفرنسي ترى أن ما يجري من تحولات في المنطقة العربية يدفع بالأتراك إلى التفكير في سبل جديدة من أجل إرساء الهيمنة التركية سواء بالترويج لنظام الحكم التركي الذي يلقى إعجاب بعض الأطياف السياسية في الدول العربية أو حتى بالجانب الثقافي، من خلال المسلسلات التركية التي تغزو فضائيات العالم الإسلامي، بل أبعد من ذلك تحدثت شميد عما أسمته بحنين الأتراك لاستعادة مجد الدولة العثمانية من خلال إنتاج مسلسلات وأفلام خاصة بهذه الحقبة التاريخية، حيث يظهر الممثلون بأزياء عثمانية أصبحت تلقى رواجا كموضة في عصرنا الحديث.وفي الجانب الاقتصادي، أشارت السيدة شميد إلى تطلع تركي لبسط النفوذ من خلال تعزيز اتفاقات التبادل الحر وتنقل الأشخاص ومساع لإقامة سوق مشتركة مع دول الشرق الأوسط شبيهة بسوق الاتحاد الأوروبي، غير أن الظروف التي أفرزها ما أسمته بثورات الربيع العربي حالت دون تحقيق هذه الأهداف، في الوقت الذي وجدت فيه أنقرة نفسها مجبرة على إعادة الحسابات من أجل مسايرة التطورات لاسيما بعد مواقفها المتباينة في التعاطي مع أنظمة بعض الدول العربية، كما هو الشأن للازمة السورية، فبعد أن كانت في البداية حليفا لنظام بشار الأسد تحولت إلى مساند للمعارضة بعد استهداف الإسلاميين في منطقة حماة. وبذلك لم تحقق أنقرة ما كانت تصبو إليه وهي التي كانت تتطلع للعب دور المؤثر الذي قد يحل الأزمة عن طريق الوساطة.كما أشارت مديرة المعهد الفرنسي إلى أن السياسة التركية في منطقة الشرق الأوسط أصبحت تصطدم بالواقع لا سيما وأنها في مواجهة تحديات في منطقة معقدة من الناحية السياسية، مستدلة في هذا الصدد بما يحدث في مصر. وأشارت في هذا السياق إلى أنها تحدثت إلى بعض المصريين عن الواقع السياسي لبلادهم وأجزموا بأن النهج التركي لا يلائمهم. ومن جهة أخرى، أوضحت السيدة شميد أن التطلع التركي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي مازال قائما، مشيرة إلى أنه رغم الجمود الذي يعتري مفاوضات الجانبين إلا أن انقرة نجحت في إقناع الطرف الأوروبي للبت فيها مجددا، وأن هناك علاقات سياسية إلى حد كبير، وأضافت في هذا الصدد أن العلاقة التي تربط الطرفين تكاملية، ففي الوقت الذي يراهن فيه الأوروبيون على الدور التركي للقيام بدور استراتيجي في منطقة الشرق الأوسط نجد أن جل المشاريع التركية ممولة من أوروبا. كما أشارت إلى أن تحقيق هدف انقرة في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي متوقف على مدى فعالية الإصلاحات التي يجب أن تنتهجها، بالإضافة إلى إيجاد حلول لمشاكل دول الجيران وعلى رأسها مسألة الاعتراف بقبرص ومراجعة استراتيجية التعامل مع العراق وإسرائيل التي عرفت علاقتهما فتورا بعد الاعتداء على غزة واستهداف السفينة المحملة بالمساعدات للفلسطينيين من قبل قوات الاحتلال.