كفاح الأمير عبد القادر نموذجا بقلم: الدكتورة سميرة بيطام لا تزال موجة إضرابات الأطباء المقيمين في المستشفيات الجزائرية تسيل المداد ليبحث لها القائمون على تشريف المسؤولية الصحية بواجبهم تجاه ظاهرة طالت فهل من حل في الأفق يكون ناجحا لوقف هذا المشكل نهائيا؟. يذكر البروفيسور مصطفى خياطي في كتابه الطب والأطباء في دولة الأمير عبد القادر وتحديدا في الصفحة 73 من أن الحرب لم تسمح للأمير بإقامة أو إكمال سياسته الصحية عبر إنشاء مدرسة للطب والتي لطالما كانت ضمن رغباته ومع ذلك ومثلما يوضحه برونو ايتيان فقد حاول الأمير وضع أسس لنظام علاجي في شكل بنى تحتية ثابتة على مستوى المدن والحظائر المشيدة وفي هيئة وحدات متنقلة على مستوى المدن والحظائر المشيدة وفي هيئة وحدات متنقلة على مستوى الحاميات العسكرية كذلك على مستوى الزمالة _ علاوة على ذلك أسس عبد القادر الذي كان وفيا لذكرى الطب الأندلسي فرقا طبية ومصحات في كل مكان- فما أهم تفصيل اهتماماته ومنجزاته؟. 1-المبادئ الأساسية: إن دراسة مختلف التدابير المتخذة من طرف الأمير تترجم الرؤية المتماسكة التي كانت ستكون عليها سياسته العلاجية وارتكزت هذه الأخيرة على سبعة مبادئ يواصل البروفيسور خياطي قوله: *وضع سياسة وقائية وصحية للمحيط وتجسدت هذه السياسة من خلال محاربة الآفات الاجتماعية كالتبغ الكحول الدعارة ألعاب الحظ..... *بناء المستشفيات _ بيرمستان ومصحات- لاستقبال المرضى والجرحى العسكريين وكذلك المدنيين وتؤمن هذه الهياكل الفراش الغذاء والرعاية الصحية كانت بعض الهياكل مخصصة للمرضى في فترة النقاهة. *انتقال الموظفين ليؤمنوا العلاج في المراكز الصحية على أساس مبادئ أخلاقية تربوية وبدنية....- المظهر الجيد الصبر اليقظة والاحترام....-. وتكفل الدولة بالأطباء الجراحين والموظفين بالصحة. *التحسين المتواصل لمعارف الموظفين المساعدين للأطباء والجراحين. *إقامة ورشات لصناعة الأدوية انطلاقا من الأعشاب على مستوى رؤساء الأطباء. *وضع نظام تأمين اجتماعي يسمح بالتكفل بالأشخاص الذين لا يقومون بالخدمة الفعلية مؤقتا بسبب المرض أو الإصابات الحربية أو المعفيين وكانت تمنح تعويضات لهؤلاء الأشخاص. *الدعوة إلى التعاون في حالة لم تسمح الوسائل المحلية بحل المشاكل الصحية مثلما كان عليه الحال أثناء غزو القليعة سنة 1835. 2-تنظيم الصحة: كان النظام الصحي تحت مسؤولية عبد الله الزروالي الطبيب الشخصي للأمير. و أول عمل قام به الأمير في ميدان الصحة هو إقامة مرافق صحية حيث تحدث نجل الأمير في مؤلفه تحفة الزائر عن إنشاء _بيمارستان- أي مستشفى حسب التسمية العربية المستعملة في تلك الفترة في كل منطقة وأكد بن اشنهو هذا الأمر من خلال إشارته إلى مواقع هذه المستشفيات في المناطق الثمانية الكبرى: تلمسان معسكر مليانة المدية تاقدامت الأغواط سباعو بسكرة وكذلك تم تنظيم مستشفى في بوغار وفي الزمالة تتيح المؤسسة الصحية للمريض كل ما هو ضروري فيما يتعلق بالغذاء الفراش والرعاية والأدوية كانت هذه المستشفيات تستقبل المدنيين أكثر من العسكريين بالإضافة إلى ذلك كان القانون العسكري يشير فيما يتعلق بالتنظيم الطبي إلى أن العسكر سينقلون إلى بيت يعينه السلطان أين يجدون الرعاية التي يتطلبها وضعهم....الخ وفي الزمالة كانت عبارة عن معسكر من الخيام كان المستشفى وخيمة الأطباء وخيمة الجراح الرئيسي في مدخل المخيم بجوار خيمة قائد المدفعية. 3-التكوين الطبي: لم تسمح الحرب التي فرضت بوسائل ثقيلة على الأمير بتحقيق جميع أفكاره المتعلقة بالتكوين الطبي بالنظر إلى رغبته في تشييد مدرسة للطب والتي كان من شأنها أن تزود الدولة بنظام رعاية عصري وبطابع إنساني في إحدى المرات توقف الأمير أمام مستشفى وكان متبوعا بجميع وزرائه فخاطب الموظفين قائلا( يجب أن تسهروا على نقل العلوم الطبية في جميع الهياكل للطلبة كما ينبغي عليكم الاهتمام بالأعشاب الطبية وتحضيرها...) ثم أضاف:(لقد أنفقت مبالغ مالية طائلة من الريوع الملكية لعائلتي من أجل شراء كتب الطب للمؤلفين العرب والمؤلفات النادرة مثل كتب الأدوية العادية للطبيب أحمد بن محمد الغافقي وكذلك كتب بن سينا وابن البيطار والصوري وأبو القاسم الزهراوي). على غرار القطاعات الأخرى كان الأمير واعيا بالتأخر المسجل على مستوى قطاع الصحة فرغم ضيق وقت السلم الذي استفاد منه حاول الأمير إدخال بعض التحسينات وتجديد هذا القطاع كما فعل مع قطاعات أخرى مثل صناعة الأسلحة البنك وتنظيم المدفعية. رائع جدا ما دونه البروفيسور خياطي عن مقتطفات من سيرة رجل مقاوم وبالمناسبة يمكنني طرح تساؤل شبيه بمن يريد معرفة مستوى التحضر لدى مستخدمي الصحة الجزائرية موازاة مع نموذج الأمير عبد القادر الجزائري في عطائه إن ما كان بنفس حماس الأمير من مسؤولين ومستخدمي الصحة من يعي جيدا حساسية القطاع وضرورة الارتقاء به دائما وفي كل المناسبات؟. ثم هل لاستمرار الإضرابات في قطاع الصحة علامة فهم أن هناك من يريد التحضر وعلى مقاس ديمقراطي يطلب منه توفير الإمكانيات والوسائل وتسهيل مهام الطبيب؟. أعود للصفحة 84 من كتاب البروفيسور خياطي لأنقل هذه الفقرة التي قد تحضن إجابة لتساؤلي بالمعنى الراقي جدا للتحضر: أثناء إطلاق سراحه سنة 1852 زار الأمير مستشفى باريسي ترك وقعا كبيرا في نفسه وقف المرضى وهو مار وكان جندي عجوز قد قام من فراشه ليس لأنه كان يتألم ولكن كشهادة عرفان لرجل الحرب العظيم توقف الأمير عبد القادر أمامه وصافحه وخصه بالخطاب الآتي (من الجدير بشعب كبير العناية بمثل هذه الطريقة بكبار السن من حماته وتكريس أحسن ما جادت به العلوم الطبية لعلاج وشفاء الإصابات التي تلقوها وهم يذودون عن الوطن لقد رأيت ضريح نابليون ولمست سيفه وسأغادر هذه الأماكن وأنا مسرور جدا لولا أنه يخطر ببالي إمكانية وجود أشخاص هنا أصبحوا عاجزين بسبب خطأ مني أو من أتباعي ولكني كنت أدافع عن وطني وسيسامحني الفرنسيون الكرماء والعادلون وربما سيعترفون بأنني كنت عدوا نزيها ومخلصا وخصما لم يكن ساخطا عليهم كليا). من هذا الإقرار الشريف أظنه يكفي أن يكون لنا الفخر والشرف كجزائريين نعتز بتاريخ تركه لنا الأبطال أمثال الأمير عبد القادر هذا التاريخ هو من سيمدنا بتحضر رفيع المستوى فقط لنحافظ على أمانة الشهداء..شهداء الجزائر الغالية... و لكم زملائي العاملين والموظفين بقطاع الصحة أن تنوبوا عني لتجيبوا مكاني إجابة تشفع لمن ضحى بالدم والغالي لأجل الجزائر.إجابة نقيس بها مستوى التحضر لدينا في قطاع يشهد في الآونة الأخيرة هزات بلا استقرار.فهل من بوادر أمل لتحضر قريب جدا نتنفس من خلاله على مشارف جزائر العزة والكرامة لنبقي على رسالة الأجداد كما هي من غير تحريف أو استهتار؟ رسالة نقول بها للعالم: نحن الخلف لخير سلف. أنتظر منكم إجابة وافية لتساؤلي وأتمناها بعد هدنة فاعلة لنهاية إضراب الأطباء المقيمين حتى نشعر أننا تحضرنا وعلى مقاس الأوفياء دائما في حب الجزائر وريادتها.