الشيخ: محمد صالح المنجد االحمد لله الذي قال في كتابه العزيز: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 183] والحمد لله الذي قال في كتابه المنزل: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: 184]. والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله رسول الله الرحمة المهداة البشير والنذير وحامل لواء الحمد وصاحب المقام المحمود والشافع المشفّع يوم الدين الذي قال: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته [رواه البخاري: 1909 ومسلم: 1081]. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله الذي فضل ما يشاء من الشهور بعضها على بعض له الحمد في الأولى والآخرة وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان: 62]. فجعلها مستودعاً للأعمال الصالحة وجعلها تتقلب وتتوالى لتكون خزائن لأعمال العباد خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان: 62]. شهر رمضان موسم تُضاعف فيه الأجور والحسنات: وهذه الشهور على رأسها شهر رمضان والأشهر الحُرُم وشهر الله المحرّم وشهر شعبان الذي تُرفع فيه الأعمال إلى الله وفضّل بعض الليالي والأيام على بعض كما فضل ليلة القدر والليالي العشر الأخيرة وأوتارها من رمضان والعشر الأوائل من ذي الحجة فله الحمد سبحانه على ما عوّضنا من قِصر أعمارنا مواسم تُضاعف فيها الأجور وتكفّر السيئات وتُرفع الدرجات فله الحمد على نعمه المنان الكريم -سبحانه وتعالى-. ونحن عباد وظيفتنا طاعته وظيفتنا عبادته وظيفتنا التقرب إليه خُلقنا لأجل عبادته. شهرنا هذا وضيفنا وهذا الشوق العظيم من قلوب المحبين وأفئدة المؤمنين لهذا الموسم الكبير إنه شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن إنه كلام الله كلام الرب -عز وجل- إنه الكلام الذي لو نزل على جبل لتدكدك إنه الكلام الذي تتفطر منه قلوب المؤمنين فتنبت الأعمال الصالحة كما تنبت الأرض من هذا الماء النازل من السماء المبارك وكذلك كتاب الله مبارك إذا نزل على القلوب أينعت وأثمرت بإذن الله هذه المواسم الفاضلة الذكي من يغتنمها حقاً والشقي من تفوت عليه ولا يدري أنها حلّت ولا أنها ارتحلت. وأول ما نذكره نحن في هذا الشهر كيف يكون مغفرة؟ لأن الله -سبحانه وتعالى- وعد بالمغفرة لمن يدخل فيه فيصومه احتساباً وإيماناً إيماناً بفرضيته واحتساباً بالأجر فيه يحسن الظن بالله بعدما يعمل العمل الصالح أن الله لن يضيعه وأنه سيقبله منه هذا الشهر الكريم الذي فيه الثواب والأجر الذي فيه الطمع بمغفرة الرب -سبحانه وتعالى- وعندما يكون الرب أقرب إلى عباده ينبغي على العباد أن يقتربوا أكثر من الله -سبحانه وتعالى-. إننا نريد فعلاً أن نكون من المتقين فإن الحصول على التقوى في هذا الشهر هو أصلاً السبب في فرضيته يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 183]. هذا الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل [سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد: 1/421]. هو التقوى العمل بطاعة من الله ترجو ثواب الله وتترك معصية الله على نور من الله تخاف عذاب الله هذه هي التقوى أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية بفعل ما أمر وترك ما نهى عنه وزجر هذه هي التقوى. [الزهد والرقائق لابن المبارك والزهد لنعيم بن حماد: 1/474]. قال عمر بن عبد العزيز لصاحبه يكتب له وكان السلف كثيراً ما يكتبون يوصون ونحن اليوم عندنا رسائل الجوالات نستطيع أن نتواصى بها في الحق والصبر قال له: أوصيك بتقوى الله -عز وجل- التي لا يقبل غيرها ولا يرحم إلا أهلها ولا يثيب إلا عليها فإن الواعظين بها كثير والعاملين بها قليل جعلنا الله وإياك من المتقين . [حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: 5/267] . وفعلاً إنها عاصم في الفتنة وحجاب عن المعصية وستار بين العبد وبين الرذائل في الأقوال والأفعال وما أكثرها في هذا الزمن زمن القاذورات والفواحش وهذه المواخير الفضائية المفتوحة على الناس بالشر ليل نهار لقد غرق الناس بالعفن لقد غرقوا بالملوّثات تلوث الجو ولا نقصد تلوث البيئة ببقايا النفط وعوادم السيارات فإن هذا تلوث هين بالنسبة للتلوث الآخر لقد تلوث الجو بالموجات التي تنقل هذه القاذورات شبُهات وشهوات هذا ما يعم به الجو اليوم أدمغة المسلمين وعقولهم إنه ينقل إليهم هذا السُّم الناقع المبثوث في الهواء إنك لا تراه لكن الأجهزة تلتقطه وتبثه إلى الأدمغة كثيرون اليوم يقولون: اشتبهت علينا أمور تشككنا في آيات اضطربت عندنا أحاديث.لماذا؟ قالوا: سمعنا قسّاً في قناة فضائية يقول كذا وسمعنا شخصاً في قناة فضائية يقول كذا ما عدنا ندري ما الحق كيف نفهم هذا؟ ما هو التوفيق بين هذا وهذا؟ ما هو الحق في هذه المسألة؟ اضطربنا تزلزلنا. أيها الإخوة إن تلويث الأدمغة تلويث العقول إفساد القلوب اليوم يحتاج إلى مغسلة ورمضان مغسلة ألم تر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في دعاء الجنازة: واغسله بالماء والثلج والبرد ونقّه من الذنوب والخطايا كما ينقّى الثوب الأبيض من الدنس [رواه ابن ماجه: 1500 وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه: 1500]. هناك دنس كثير اليوم وهناك ذنوب وخطايا كثيرة. نحن قادمون على شهر نسأل الله أن يجعله كفارة للسيئات وزيادة في الحسنات ورفعة في الدرجات مغسلة إنه مغسلة تجلو القلب تذهب الصدأ تزيل القسوة أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ [الحديد: 16] يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ [النساء: 1] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ [آل عمران: 102]. أيها الإخوة الذي يريد أن يستفيد من رمضان لا بد أن يجلو قلبه إذا أردتَ حسن الاستقبال أحسن تجهيز جهاز الاستقبال فعند ذلك يكون البث نقياً وإلا سيكون مشوشاً أو لا يستقبل. كان المسلمون يعدون العدة لرمضان ومن إعداد العدة التوبة قبل رمضان يرون أن جلاء القلوب بالتوبة قبل رمضان لأن رمضان موسم اكتساب حسنات وطاعات وعبادات فلذلك لابد من التجهز لاكتساب الحسنات وللعبادة قبل رمضان لو دخلنا رمضان بهذه الأحوال من التقصير هل سنكون مستمتعين بصلاة التراويح؟ وهل سنكون أول يوم متلذذين بالصيام؟ ربما لا ربما استثقلنا ذلك لكن إذا دخلنا بجاهزية من أول الشهر بتوبة نصوح وإقبال على الله فعند ذلك يكون كثير من التأثر ألم تر أن الإنسان قبل أن يصلي له تجهيزات أذان وترديد مع الأذان ووضوء وأذكار الوضوء وتبكير للصلاة وإقبال وأدعية للذهاب للمسجد ودخول المسجد والانتظار في المسجد حتى يصلي وهناك سنة قبلية وسنة بعدية ورمضان له قبلُ سنة قبلية في شعبان في الإكثار من الصيام وبعده سنة بعدية في صيام ست من شوال وهكذا الصلاة بعدها أذكار تبدأ بالاستغفار وتسبيحات كثيرة فَصَلِّ لِرَبِّكَ [الكوثر: 2] وهكذا فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ [الشرح: 7 8]. على قدر أهل العزم تأتي العزائم*** وتأتي على قدر الكرام المكارم الاستعداد لشهر رمضان بالتوبة: والاستعداد بالتوبة: الشعور بالتقصير والندم والعودة إلى الله قبل دخول الشهر. أما مذهب وأكثر ما استطعتَ من المعاصي إذا كان القدوم على كريم إنها مصيبة والذي يظن أننا قبل أن نبدأ رمضان نجهز على ما تبقى من البقية الباقية من أبواب المعاصي التي ما ولجناها ونزداد منها فإن هذه مصيبة. أيها الإخوة الاستعداد يكون بإعداد النفس إعداد العبادات تجهيز المساجد إعداد المصاحف إنه التعرف على أجر الصيام قبل الدخول فيه وأجر القيام قبل الوقوف فيه إنه العزم على الاستفادة والذي يدخل بعزم يخرج بقوة وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت: 69] فشد عزمك وإياك والتأجيل. أنت تقرأ قبل رمضان وفي رمضان ولكن الاجتهاد في رمضان أكثر. إن الطهارة واستقبال القبلة والسواك والاستعاذة والترتيل والصبر على مشقة التلاوة والبكاء والتباكي والوقوف عند الآيات والدعاء عندها وهكذا أن تحس أن الله يخاطبك بهذا القرآن إنه الاستنفار. كان مالك إذا دخل عليه رمضان أغلق على كتبه وأخذ المصحف ومنع المسائلة وقال هذا هو شهر رمضان هذا هو شهر القرآن فيمكث في المسجد حتى ينسلخ رمضان. وكان بعضهم يؤجل مجالس التحديث لأجل ذلك. وكان زُبيد اليامي إذا حضر رمضان أحضر المصاحف وجمع أصحابه وكانت لهم مجاهدات في الختمات. وكان سعيد بن جبير يؤم الناس في رمضان فيقرأ بقراءة ابن مسعود وبقراءة زيد وهكذا في الليالي المختلفة.