غياب التفكير الاستراتيجي والكفاءة البشرية من بين الأسباب لماذا فقدت الأحزاب ثقة المواطن والسلطة معا؟ أصبحت السَّاحة السِّياسية الوطنية تعج بالكثير من الأحزاب الحديثة المنشأ بعد أحداث ثورات الربيع العبري سنة 2011م وما رافقه من تغييرات مهمة في قوانين الكثير من الدول العربية التي أدركت خطورته على منظوماتها السِّياسية والاجتماعية والأمنية لما تحمله من خراب ودمار وتغير التركيبة التفاعلية للمجتمعات العربية فقامت السلطات العليا في البلاد بمنح التراخيص لإنشاء أحزاب فيه وأعطت التراخيص لغيرها من الأحزاب السِّياسية التي كانت تنتظر الاعتماد منذ سنوات عدَّة وغيرت قانون الأحزاب وعدلته بما يسمح بذلك وهي خطوة حكيمة ولكنها في نفس الوقت أدت إلى ظهور أحزاب فطرية ومجهرية لا برامج سياسية لها أو آفاق لرؤية مرحلية لإحداث التغيير السِّياسي الذي يطالب بأحداثه هؤلاء الذين يشكلون هيئاتها القيادية بل أصبحت معظم هذه الأحزاب عرضة لعمليات الشدَّ والجذب السِّياسي وفقدت هويتها الإيديولوجية والفكرية ولم نعد نراها أو نسمع بها إلا في أوقات الحملات الانتخابية وأصبحت كغيرها من الأحزاب السِّياسية في الجزائر تعتمد على نمطية في التفكير ونفس الخطاب السِّياسي المكرر عند الجميع. إذ أن معظم الأحزاب السِّياسية سواء كانت ضمن إطار السّلطة أو ضمن إطار المعارضة لها نظرة ضيقة للأمور ولا ترى المشاكل والأزمات التي تمر بها البلاد إلا كفرص ذهبية تستغلها من أجل تسجيل نقاط ضدَّ خصومها ضمن الحلبة السِّياسية التي أصبحت لا تقوى على احتمال كل هذه الأحزاب التي لا تسمن ولا تغني من جوع فغياب التفكير الاستراتيجي والكفاءة البشرية وجهل قياداتها بأبسط أبجديات والقواعد السِّياسية وعدم دراسة معظمهم للعلوم السِّياسية كفن وعلم قائم بذاته جعل الكثير منهم لا يقوى حتى على شرح برنامجه السِّياسي هذا إن وجد أصلاً حتى لمناضليه وقيادات حزبه كما نلاحظ بأن ثقافة معظم رؤساء وقيادات الأحزاب الوطنية بمختلف تسمياتها أو اتجاهاتها الإيديولوجية أو الفكرية أو السِّياسية أو الدينية حتى محدودة وضحلة جداً ولا تمكنهم من ترأس أحزاب سياسية تعتبر عبارة عن وحدات سياسية منظمة يمكن أن تستلم الحكم في البلاد مستقبلاً وهذا ما يثير الكثير من نقاط وعلامات الاستفهام حول الأهداف الرئيسية للذين قاموا بإنشاء هذه الأحزاب من أجلها أو القواعد البروتوكولية أو النمطية التي تحكم علاقاتهم مع مرؤوسيهم أو مناضليهم أو حتى شركاؤهم في العملية السِّياسية سواء كانوا ممن يدورون في فلك السلطة أو في فلك المعارضة فغياب الأفق السِّياسي وتحول معظم هذه الأحزاب إلى أحزاب طائفية أو جهوية أو مناطقية أو عائلية وغياب الوعي التكويني السِّياسي عند قياداتها فضلاً عن غيرهم وهذا ما جعل الشارع الجزائري يضيق ذرعاً بتلك الأحزاب ولا يثق فيها وفيما تطرحه من تصورات وبرامج وحلول للمشاكل التي يعاني منها؟ لأنه ومن خلال تعامله المباشر أو الغير مباشر معها أصبحت بالنسبة له وكأنها كيانات هلامية شفافة لا يكاد يراها أو يحس بوجودها أصلاً إلاَّ عندما يصبح صوته الشيء الأغلى بالنسبة لهم. فيبذلون الغالي والنفيس من أجل الحصول عليه قبل كل موعد استحقاق دستوري أو انتخابي. فغياب روح الإبداع والابتكار داخل هذه الأحزاب وعدم وجود قيادات حزبية تمتلك مراكز دراسات إستراتيجية حزبية كما تفعل الأحزاب الكبرى في الدول الغربية وتحول رئيس الحزب إلى شيخ قبيلة أو عشيرة أو إلى إنسان دكتاتوري لا يمكن لأحد محاسبته أو مساءلته أو انتقاده جعل هذه الأحزاب معطلة لا تستطيع إحداث التغيير الإيجابي الفعال حتى داخل جدرانها الضيقة فما بالك بأحداث التغيير في دولة بحجم الجزائر. إذ أن همَّ الأحزاب حسب وجهة نظر المواطن وحتى أكثر النخب التي كفرت بالعملية السِّياسية الحزبية هو الوصول إلى الحكم والسلطة وبأي ثمن أما تنفيذ برامجها التي انتخب من أجلها فهو ذر للرماد في العيون وهم خادع ليس إلاًّ وهذا حسب وجهة نظرهم هو الشيء الجامع المشترك لدى جميع الأحزاب الجزائرية سواء كانت يسارية أو يمينية أو ليبرالية أو حتى دينية فالتفكير النمطي عند الأحزاب وانتشار الفساد والبيروقراطية والمحسوبية داخلها وخاصة المعارضة منها جعلها تفقد ثقة السلطة قبل ثقة المواطن العادي إلا فيما ندر بالتأكيد.