* هل يجوز دفن أسامة بن لادن في البحر كما فعل به الأمريكان؟! * يجيب الدكتور مسعود صبري الباحث في المركز العالمي للوسطيةعن هذا السؤال بالقول: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فدفن أسامة بن لادن في البحر يحرم شرعا، بل الواجب دفنه في مقبرة. والدليل على وجوب الدفن في المقبرة وحرمة الدفن في البحر اتفاق الفقهاء على أن الدفن من فروض الكفايات ومن حقوق الميت، كما أنه من الواجب شرعا أن يدفن المسلم في مقابر المسلمين. وظاهر القرآن يشهد بهذا، من ذلك: قوله تعالى: (قُتِلَ الإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ مِنْ أَىِّ شَىْءٍ خَلَقَهُ مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ). كما أن الدفن من الأمور التي فطر الإنسان عليها دون اعتبار لملته، فهي مما تشترك فيه الإنسانية، كما حصل من قابيل حين قتل أخاه هابيل، قال تعالى: (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعْجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ). فالإقبار إلهام من الله تعالى تكريما لبني آدم كما في قصتي ابني آدم، يقول الطاهر ابن عاشور: "وفي الآية دليل على أن وجوب دفن أموات الناس بالإِقبار دون الحرق بالنار كما يفعل مجوس الهند، ودون الإِلقاء لسباع الطير في ساحات في الجبال محوطة بجدران دون سقف كما كان يفعله مجوس الفرس وكما كان يفعله أهل الجاهلية بموتى الحروب والغارات في الفيافي إذ لا يوارونهم بالتراب وكانوا يفتخرون بذلك ويتمنونه قال الشنفَرَى: لا تقبروني إن قبري محرَّم * عليكم ولكن أبشري أمَّ عامر يريد أن تأكله الضبع، وأبطل الإسلام ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم دفَن شهداء المسلمين يوم أحد في قبور مشتركة، ووارَى قتلى المشركين ببدر في قليب". (تفسير التحرير والتنوير. ج 30 ص 138). فانظر كيف دفن الرسول صلى الله عليه وسلم مخالفيه ومقاتليه من المشركين، مع ما يشاع من فعل الأمريكان من إلقاء أسامة بن لادن في البحر، مخالفين في ذلك كل الشرائع السماوية والفطر الإنسانية، متجردين من كل حكمة وتعقل. ومن المعلوم أن إلقاء جثة الميت في البحر تجعلها عرضة لأن تأكلها الأسماك الكبيرة كالقرش ونحوها، أو أنها تتآكل من الترك في مياه البحر، وما في ذلك من ضرر على جثة الإنسان، وذلك لأنه كما هو مقرر في الإسلام أن حرمة الميت كحرمة الحي. ولا يُلجأ في الدفن في البحر إلا إذا مات الإنسان في البحر، وخيف عليه أن تتعفن جثته، فيجوز في هذه الحالة أن يدفن في البحر بعد تغسيله وتكفينه والصلاة عليه، وأن يوضع في شيء ثقيل حتى تتمكن الجثة من أن تكون في أعماق البحر، مع وضعها فيما يحفظها من التعرض للأذى من الكائنات البحرية. قال ابن جزي: "ومن مات في البحر غُسل وكفن وصلي عليه وانتظر به البر إن طمع بذلك في اليوم أو شبهه ليدفنوه فيه، وإن كان البر بعيدا أو خيف عليه التغيير شُدت عليه أكفانه ورمي في البحر مستقبلاً القبلة محرفا على شقه الأيمن واختلف هل يثقل بحجر أم لا والله أعلم" (القوانين الفقهية لابن جزي 1/ 86 ط دار الفكر). وإن الأعراف الدولية توجب على الأمريكان وغيرهم أن يتعاملوا مع المقتول معاملة تليق بإنسانيته، لأن حياته قد انتهت، والخصومة لا جدوى لها مع ميت. والخلاصة: أنه يحرم دفن أسامة بن لادن في البحر، والواجب دفنه في مقبرة من مقابر المسلمين، مما يتوجب تسليمه لأية دولة مسلمة، لدفنه هناك، أو دفنه في مقابر المسلمين في أمريكا. وما نقوله في أسامة بن لادن نقوله في أي إنسان ولو كان كافرا، لأن الدفن من حقوق الإنسان في الإسلام دون نظر لملته واعتقاده. والله أعلم * النبي صلى الله عليه وسلم دفن شهداء المسلمين يوم أحد في قبور مشتركة، ووارَى قتلى المشركين ببدر في قليب". فانظر كيف دفن الرسول صلى الله عليه وسلم مخالفيه ومقاتليه من المشركين، مع ما يشاع من فعل الأمريكان من إلقاء أسامة بن لادن في البحر، مخالفين في ذلك كل الشرائع السماوية والفطر الإنسانية، متجردين من كل حكمة وتعقل.