الحلقة الثانية أمر آخر شديد الأهمية أن أمريكا لم تظهر صور بن لادن سوى تلك التي بثها الإعلام الباكستاني وتبين أنها مفبركة، وزادت الطين بلة عندما أعلنت دفنه في البحر لأنها لم تجد مكانا له في العالم العربي والإسلامي، بالرغم من أن العملية تمت في 01 ماي وأعلن عنها في أمريكا بوقت متأخر في العالم العربي حيث نجد الكل يغط في نوم عميق، فترى متى إتصلت أمريكا بالرؤساء العرب والمسلمين من أجل دفن رفاته في هذا الوقت القصير جدا؟ * لماذا لم يعلن البيت الأبيض عن الدول التي تحدث إليها أوباما من أجل الدفن؟ هل الاتصالات سرية للغاية؟ لماذا لم تعلن أي دولة عربية وخاصة السعودية أنها تلقت طلبا أمريكيا لدفن ابنها؟ وما دامت أمريكا التي تحدت مشاعر العالم الإسلامي وأعدمت صدام حسين صباح عيد الأضحى، حريصة على أن يدفن بن لادن حسب الطقوس الإسلامية، فهل يا ترى استفتت العلماء في حكم رمي رفاة ميت بأعماق البحر أو المحيط؟ لماذا السرعة في التخلص من جثة الميت في حين توجد جثث أخرى لأناس عاديين تبقى اشهرا بالثلاجات من أجل التشريح و * التحقيق؟!! * إن عدم نشر صور جثة بن لادن سواء كان لسبب لا نعلمه أو آخر في حكم الاحتمال، من مثل انه استحالت إعادة ترميم ملامحه بعدما تمزقت لأشلاء بسبب القصف العنيف أو أنه مجرد عظام نخرة، وأن إظهاره بشكل قريب قد يعضد الشكوك في صحة الرواية. وأمريكا التي استطاعت أن تعيد بعض ملامح عدي وقصي بعد مقتلهما في العراق وعرضتهما على مرأى وسائل الإعلام في وقت قياسي، ترى هل عجزت في ذلك مع جثة بن لادن الذي هو أكثر أهمية من عدي وقصي وحتى أبيهما صدام حسين؟ وطبعا ذلك سينسف القول بأنه تلقى رصاصة أو رصاصتين في الرأس، والتي تعني أن عناصر القوات الخاصة "سيلز" تمكنوا من التسلل للغرفة المحصنة ووجهوا فوهات البنادق لرأس الرجل الذي يقيم في بيت لا نوافذ له وبني خصيصا في 2005 كمخبأ للمطلوب الأول عالميا، وعجزوا في استعمال غازات لشله، إلا إذا كان قد فضل الانتحار بدل أن يقبض عليه، وسبق أن أشيع أنه يتحرك بحزام ناسف أو أعطى تعليمات لحرسه بقتله إن تأكدوا من وقوعه في الأسر كما روى ناصر البحيري وكنيته أبوجندل وهو الحارس الشخصي لبن لادن. * إن سلمنا جدلا بصحة الرواية، فعدم تسليم جثته لأي بلاد أخرى فيه سر خطير ومهم، ويراد أن يدفن الأمر معه حيث قدر له، فالطب تطور ويمكن من خلال ذلك التأكد من تاريخ الوفاة والطريقة التي تم بها ونوع السلاح المستعمل، بل حتى التأكد من هوية الجثة إن كانت لأسامة بن لادن أو غيره. كما أن المعني الأول بجثة بن لادن هي المملكة العربية السعودية بالرغم من تجريده من جنسيته إلا أن العرف القبلي ربما له شأن آخر، والتي بلا شك ستقوم بكل الإجراءات الطبية اللازمة، وأمريكا بالتأكيد لم ترغب في أن تضع عنقها تحت سيف آل سعود، حتى لا تتعرض للابتزاز مستقبلا فيما يخص هذا الملف المصيري، وخاصة أنها تناصر الإصلاحات في البلاد. فالقول بأن يتحول قبره لمحج لا أساس له وخالٍ من الموضوعية، لأن السعودية تدين بالمذهب الوهابي الذي يحرم اتخاذ القبور مساجد والتمسح والتبرك بها يعد من الشرك، وهي التي لم تجعل من ضريح الرسول الكريم ولا صحابته مزارات للتقرب والتعبد والتصوف، فكيف ستقبل بتغير الأمور مع بن لادن الذي تجرمه القوانين وتعتبره بعض الفتاوى من الخوارج؟!! * الزرقاوي قتلته أمريكا في العراق وأظهرت صورته في اليوم الأول وأثار بدوره جدلا حول دفنه، حيث تخوفت إدارة بوش حينها من أن دفنه في الأردن سيزيده شعبية أو يتحول لمزار يحفز المتعاطفين على مقاتلة مارينزه، وبقي جثمانه فترة تحت حراسة مشددة، وزاد الأمر تعقيدا عندما رفض الملك الأردني الطلب الأمريكي. فقد قتل الزرقاوي في 07 / 06 / 2005 ولم يدفن في مكان ما بالعراق إلا في 28 / 06 / 2005 أي بعد أكثر من عشرين يوما، فلماذا لم تحتكم أمريكا للشريعة الإسلامية وتسارع بدفنه كما جرى مع بن لادن الذي لم تتحدث وسائل الإعلام لحد كتابة هذه السطور عن تواصل جرى بين الرياضوواشنطن بشأن الدفن كما فعلت مع عمان؟ لماذا لم تعلن دفنه في دجلة والفرات؟!! * إن أمريكا بلا شك مهدت لانسحابها من أفغانستان بعد الضربات الموجعة التي تتلقاها من طرف طالبان وغرقها في المستنقع العراقي، ولذلك سارعت لتأكيد القتل وإخفاء كل الأدلة حتى لا تنكشف التفاصيل عن العملية الحقيقية، وخاصة أن الظواهري لم يظهر والمعروف عنه تواجده دوما مع زعيمه.ومما يطرح الكثير من نقاط الاستفهام هي عزلة بن لادن في هذا المقر وبعيدا عن حماية طالبان كما هو معتاد في القتال بأفغانستان منذ الثمانينيات حيث يتمركز العرب في شعاب معقدة وتحت حماية المقاتلين الأفغان، والتي يشهد الميدان بقوتها العسكرية ومدى سيطرتها على أماكن تمركزها ووجودها. من جهة أخرى تطرح بشدة طبيعة العلاقة بين طالبان والقاعدة في ظل حديث عن المفاوضات السرية التي تقوم بها أمريكا معهم من أجل العودة للمشهد السياسي الأفغاني وهذا ما أشار إليه الرئيس كرزاي من قبل، وبالتأكيد أن الخلاف الوحيد القائم بينهما هو أسامة بن لادن، وخاصة أن بعض الشواهد تشير إلى أن طالبان قد أخذت بجدية مسألة تسليم بن لادن من أجل المحاكمة بشرط أن تكون عادلة ونزيهة، إلا أن أحداث 11 سبتمبر 2001 نسفت كل شيء، وقوّت من تماسك العلاقة بين الطرفين نكاية في واشنطن التي غزت بلادهم. *
* على طريقة باراك أوباما * إن ما يمر به العالم العربي والإسلامي من ثورات شعبية جعلت أولويات الإدارة الأمريكية تتغير كثيرا جدا، ودفع إلى ابعاد بن لادن من المشهد وفق هذه الصورة، بل غدى الأمر من الضروريات التي وجب أن تنفذ.موته قد وقع لا محالة سواء بسبب المرض كما أشيع وقد سبق وأن أشارت صحيفة "ليست ريبيبليكان" المحلية الفرنسية، إلى احتمال وفاة زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن في مكان ما بالجبال ما بين أفغانستان وباكستان جراء إصابته بحمّى التيفوئيد. وكانت الصحيفة استندت في تقديم هذه المعلومة المثيرة إلى وثيقة صادرة عن جهاز الاستخبارات الفرنسية التابعة للإدارة العامة للأمن الخارجي. الوثيقة أشارت إلى أن مصادر أمنية أوضحت أن العزلة الجغرافية لابن لادن بسبب فراره المستمر حالت دون تلقيه أيّة مساعدة طبية لازمة، في الوقت المناسب. وقد أكد حينها الرئيس الفرنسي الأسبق، جاك شيراك، وجود هذه الوثيقة، ولم ينفها، غير أنه لم يؤكد خبر الوفاة تحديدا. * أو ربما قد توفي في غارة جوية ولم تتمكن أمريكا من الوصول لجثته وعندما تأكدت من خلال العثور على بقاياه عبر معلومات مؤكدة عن قبره وفرتها العناصر المتطرفة التي تم إطلاقها من غوانتانامو حسب تسريبات ويكليكس الأخيرة، وهذا بلا شك من أجل تقفي اثرها أو استعمالها في اشياء اتفق عليها مسبقا أو حتى أن المفرج عنهم يعتقدون بنجاتهم من الأسر بتوفيق من الله، مما يدفعهم للتحرك من دون حرص أو حذر ما داموا أفلتوا من غوانتانامو وراوغوا أمريكا. * لقد لاحظت أن بعض الفضائيات سارعت إلى نقل انطباعات سكان بنغازي عن مقتل بن لادن، بالرغم من أن الأولى هم الأفغان والباكستانيون المهددون برد فعلي قوي، وبدى كأنه امتحان من خلاله يجس نبض الشارع لمعرفة ما يفكر هؤلاء فيه تجاه تنظيم القاعدة وزعيمه. بلا شك أن أمريكا تعلم أن الإيديولوجية الجهادية في تنامي مستمر في ظل استمرارالاحتلال الصهيوني لفلسطين وهو الذي لن تقدر على حله سواء بخيار الدولتين أو بالمفاوضات أو بأشياء أخرى، لأن الأمر يتعلق بالقدس التي لها مكانة خاصة وكبيرة في العالم الإسلامي. وأيضا الوضع في العراق والدماء التي نزفت بسبب الاحتلال الأمريكي، إلى جانب ما يجري الآن في ليبيا والذي أعتبر عند الكثيرين هو مجرد فصل آخر من الحروب الصليبية التي تستهدف دولة مسلمة وآمنة. * إن أوباما راهن على هذا الأمر لاعتبارات خارجية بينها التي ذكرنا، ولكن في الوقت نفسه لديه رهانات داخلية خاصة انه تعرض لانتقادات لاذعة من الجمهوريين وأطراف أخرى، تتهمه بالضعف فيما يتعلق بالأمن القومي الأمريكي، وراحت شعبيته تتدهور مع مرور الوقت والرجل أعلن ترشحه لعهدة ثانية، فبلا شك أنه سيخدمه كثيرا الإعلان الرسمي ومن طرفه شخصيا عن مقتل أسامة بن لادن الذي صوره الإعلام الأمريكي بالشيطان وحمله كل الشرور بالرغم من أن أدلة تورطه في أحداث 11 سبتمبر لا تتعدى تسجيلات صوتية تنسب له، ولا يوجد دليل مادي يعتد به قانونا يفيد أن القاعدة تقف وراء العملية، بل تزايدت القناعات أن الأمر دبر بليل في إطار مؤامرة نسجها المحافظون الجدد. وأعتقد أنه لو قبض على بن لادن حيا وتوبع قضائيا من طرف عدالة نزيهة قد تفضي إلى براءته من الأحداث وهذا الذي سيقلب أمريكا رأسا على عقب، كما هو الشأن بالنسبة لمعتقلي غوانتانامو الذين لم تجرؤ أمريكا على محاكمتهم علانية وتحت أنظار الصحافة الدولية. * الأزمة الاقتصادية العالمية التي واجهت أوباما في بداية حكمه قللت من حظوظ الديمقراطيين ووضعتهم على المحك، بل جعلت المتابعين للشأن يجزمون أن الرئيس لن ينال عهدة ثانية في ظل انتشار النقمة الأمريكية الداخلية من البطالة والغلاء وعدم الاستقرار والركود، فضلا عما تكبده مكافحة الإرهاب للخزينة العمومية من الملايير على حساب مطالب مهمة، ومن دون تحقيق إنجازات ملموسة تتمثل أساسا في القضاء على بن لادن والملا عمر أو توفير الأمن من تهديدات القاعدة التي تطلق من حين لآخر، ووقعت حتى محاولات تنفيذ عمليات بينها التي أخفقت في اللحظات الأخيرة وأخرى نجح أصحابها في ضرب العمق الأمريكي، كما جرى مع محاولة تفجير طائرة ديترويت، دفعت أوباما للاعتراف بالفشل الأمني في 29 / 12 / 2009. وأيضا نذكر العملية الانتحارية التي قام بها الأردني همام خليل أبو ملال البلوي، وكنيته "أبو دجانة الخراساني" في خوست، وادت إلى مقتل أبرز عملاء الاستخبارات الأمريكية في أفغانستان، وتعد ضربة تلقاها الجهاز الأمريكي لم يسبق لها مثيل. * لقد ارتفعت أسهم اوباما وزادت شعبيته في اللحظات الأولى لإعلانه عن مقتل أسامة بن لادن، ظهرت حتى من ملامحه وهو يسوق الخبر للأمريكيين والعالم، بل ارتفعت أسهم بورصة نيويورك وتراجعت أسعار النفط وارتفع سعر الدولار،مما سيقوي حظوظه للرئاسيات المزمعة في نوفمبر 2012. * ان الشكوك ستظل قائمة في قصة مقتل بن لادن، وكلما طالت الأيام ستزداد أكثر ولا يمكن أن تدحضها الصور التي ربما ستبث لاحقا مادامت البداية تخللتها نقاط ظل كثيرةوشابتها علامات استفهام قصوى، فالشعوب صارت تشكّ في كل شيء، فقد رأينا فيديوهات إعدام صدام حسين بالصوت والصورة في يومها الأول من ديسمبر 2006، وبالرغم من كل ذلك راودت الشكوك الناس عندما ظهر تسجيلا صوتيا يقترب كثيرا من صوت صدام في أفريل 2011 جعله ينتشر كالنار في الهشيم، والسبب الرئيسي في كل ذلك أن الشعوب العربية لا تصدق أمريكا سواء تعلق الأمر ببن لادن أو بغيره، وسواء كان الجمهوريون في الحكم أو كان الديمقراطيون ينشدون ود العالم الإسلامي. *
* نهاية على إيقاع هوليود * أعتقد أن نهاية بن لادن على الطريقة الهوليودية التي إختارتها أمريكا في انتظار رواية القاعدة التي لم تتحدث إلى لحظة تحرير هذه السطور، ستعزز بلا شك السلفية الجهادية وترفع أسهم الكراهية للأمريكان وخاصة أن ما يسعد امريكا لا يعني حتما أنه يحزن المتطرفين والغلاة والإرهابيين فقط. وإن كان بن لادن غير مرغوب به في عالمنا العربي من قبل بسبب جرائم القاعدة في العراق والجزائر والمغرب وموريتانيا وغيرهم، لشأن آخر ستحولها هذه الشكوك التي أثارتها إدارة أوباما حوله، وتجعل من كل ما مضى مجرد مخططات تقف وراءها الولاياتالمتحدة التي لا يمكن لأي كان أن ينفي دورها في صناعة نجم بن لادن الذي أدى دورا فعالا للأجندة المتفق عليها وتكفلت السعودية بتنفيذها وتتعلق بتكسير شوكة السوفيات والتي بدأت بالخروج من أفغانستان وإنتهت إلى تفتيته ونهاية الثنائية القطبية لينطلق العصر الأمريكي بإمتياز. وزادت في شهرته من خلال الأحداث التي مرت والمطاردة الغريبة والمثيرة، ودعمته أكثر لما أعلنت وفاته على هذه الطريقة الأوبامية، وبهذا يكون البيت الأبيض قد خدم "عدوه الأول" حيا وميتا. * لقد احتفل الأمريكيون عام 1949 باغتيال حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان، أدى ذلك بسيد قطب المتواجد حينها بمستشفى في الولاياتالمتحدة، إلى التحول من أديب علماني إلى منظر للجهاديين وصاحب نظريات قرآنية وفلسفة دينية لا تزال تحرك العالم الإسلامي من خلال مؤلفاته مثل "في ظلال القرآن" و"معالم في الطريق". وبالرغم من الإختلاف بين الزمانين والمكانين والشخصيتين، فقد احتفل الأمريكيون أيضا بالإعلان الرسمي عن تصفية أسامة بن لادن وبلا شك ستفرخ ذلك ليس سيد قطب واحد بل عدة أقطاب أخرى للفكر الجهادي والسلفية الثورية التي تنشط في العالم عبر شبكات عنكبوتية بينها الأبيض وبينها الأسود وتوجد الرمادية كذلك، وخاصة أن العالم العربي الآن ليس كالماضي حيث صار يكره أمريكا لحد التطرف بسبب جرائمها في العراق وفلسطين ودعمها اللامحدود لإسرائيل على حساب الشعوب الإسلامية المضطهدة. * أمريكا التي أعلنت قتل بن لادن فهي بلا شك تنهي ورقة كانت تستعملها كبعبع من أجل فرض أجندتها وفق مقاربة محور الشر التي نظّر لها المحافظون الجدد ونفذها بامتياز الرئيس الأسبق جورج بوش، والآن المعايير والمشاهد تغيرت ولا مكان لرجل اسمه بن لادن سواء كان حيا مطاردا ومجهول المكان أو قتيلا قيل أنها دفن في شمال بحر العرب... والأيام كفيلة بكشف المستور في ظل المشاهد الأخرى القادمة عن نهاية الخليفة المحتمل أيمن الظواهري أوأنور العولقي وعبدالمالك درودكال وغيرهما من الجيل الجديد.