شيئا فشيئا تطغى الوسائل التكنولوجية على حياتنا اليومية، فتذهب كلّ العادات التي نعرفها، حتى منها الجميلة، ولعل ما لاحظناه ونحن نتصفح بعض مواقع التواصل الاجتماعي، مبادرة جديدة، جعلتنا نتوقف عندها: "زواج نسرين، ومهدي، يوم السادس عشرة من شهر ماي القادم، أصدقائي، لا تفوتوا المناسبة". مصطفى مهدي أجل، هي دعوة لحضور حفل زواج، وعلى شبكة الانترنيت، وهو أمر قد يبدو للوهلة الأولى غريبا، ولكنه منطقي، في وقت صار فيه واحد منا يملك الأصدقاء الإفتراضيين أكثر من أصدقائه الحقيقيين، ويلتقي أسرته وأقاربه على مواقع التواصل أكثر من التقائه بهم في الواقع، وهو الأمر الذي يجعل كل شيء يُرقمن، وحتى المناسبات مثل الزواج، ولا ندري ما يفيه لنا المستقبل قريبا، خاصة وان هناك بعض الأزواج فضلوا الارتباط قبل أن يلتقوا، وراحوا يستفتون الأئمة في أمرهم. العينة التي صادفناها على موقع التويتر هي لنسرين، صاحبة السابعة والعشرين ربيعا، والتي سترتبط بعد أيام، وفضلت أن تدعو أصدقاءها ومًُقربيها على الانترنيت، تقول: "لقد أرسلت بهذه الدعوة إلى كل من اعرفهم على الانترنيت، وهي فكرة مبتكرة ، أظن، أن التي تمضي أكثر من ثمانية ساعات وراء شاشة الكمبيوتر يوميا، وصرت لا اخرج من غرفتي إلاّ لأمر عاجل، وإلاّ أنا وراء الكمبيوتر، ولهذا قررت أن أرسل تلك الدعوات بهذه الطريقة، أليست جميلة؟!". تركنا التهاني تتهاطل على نسرين، طبعا بالتعليقات أسفل الدعوة، وتحدثنا إلى منال، وهي الأخرى تستعد للزواج، قالت: "هل تعلمون أنني لا أملك أرقام هواتف كل أصدقائي؟ أجل، منذ أن فتحت صفحة على الانترنيت، صرت شخصا افتراضيا، وصار أصدقائي كلهم إفتراضيون، وهو الأمر الذي جعلني أفكر في أن أرسل هذه الدعوة إلى كل من يعرفني على الانترنيت" وعما إذا لم تكن تخشى أن تسبب لها هذه الدعوة مشاكل، خاصة وانه حتى من لم يكن صديقا لها على الشبكة يمكن أن يطلع عليها، وعما إذا كانت تثق في كل هؤلاء الأصدقاء الافتراضيين، قالت: "بالنسبة لأصدقائي أثق فيهم، لأنني اعرفهم، ربما لم التقيهم من قبل في الواقع، ولكن هذا لا يعني أنني حمقاء إلى درجة أن أنخدع بالمظاهر، أو بالأحرى بالأقوال، أما بالنسبة للأشخاص الذين لا اعرفهم، ففي الحقيقة هناك كثير من الناس يمكن أن يؤذوك، في الحي، والجامعة، ومقر العمل، ومواقع التواصل الاجتماعي، هي الأخرى مكان يمكن أن تعثر فيه على أشخاص طيبين، مثلما يكون هناك أشرار يتربصون بك، وفي النهاية لا يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا، فإذا تقبلنا حسنات الانترنيت، والتي عرفتني بأصدقاء جدد، فلأتقبل سيئاتها، إن كانت ستجعلني ألتقي بأعداء جدد". لكن هذه الطريقة جعلت بعض الخلافات تطفو بين الرجل وزوجته المستقبلية، مثلما وقع مع نور الدين، الشاب الذي عثر على اسمه وعنوان قاعة الأعراس على "الفايس بوك" وهو الأمر الذي جعله يغضب على خطيبته التي وضعت كل تلك التفاصيل، يقول: "ليس من المعول أن أنشر معلوماتي الخاصّة على الأنترنيت، هو شيء لا يمكن أن يتقبله عاقل، وعندما حدثتها بالأمر أصرت عليه، وكدنا نتشاجر بسببه، لا بد أن توضع حدود في استعمال الأنترنيت، ولا يمكن أن نسمح لأنفسنا بكلّ شيء".