لا تشكل المناطق الواقعة في أقصى غرب ولاية البليدة ثقلا ديموغرافيا كبيرا، قياسا إلى المناطق الوسطى أو الشرقية من الولاية، لكنها ترث عبئا ما فتئت وطأته تتزايد. وقد يحتاج الأمر إلى كثير من الصبر والجهد لتجاوز تراكمات الأمس، فالزائر لها يدرك بعض آثار التحوّل التي سجلت مؤخرا سيما الطريق السيار شرق غرب الذي اخترق تلك المناطق من الشفة إلى وادي جر، إلى جانب القطب الجامعي الجديد غير بعيد عن العفرون والذي بدأت تتضح أولى ملامحه وسط ديكور غاية في الاخضرار. من الناحية الطبيعية تتمتع هذه المناطق بمناظر خاصة لا نجدها في الشريعة أو حمام ملوان أو صوحان. فبهذا المكان نجد أراضي زراعية ممتدّة عبر سهول وهضبات صغيرة ثم غطاء غابي كثيف يتحدى الآن حرائق الصيف ويستعيد خضرته. لكن هذا الشعور لا ينتابك وأنت تدخل التجمعات السكانية المنتشرة عبر هذه الجهة. وادي جر.. البطالة تعيث فسادا "أخبار اليوم" بدأت رحلة بحثها عن إمكانية وجود حياة ما في تلك الجهة من وادي جر، آخر نقطة حدودية لولاية البليدة غربا بمحاذاة حدود ولاية عين الدفلى الشرقية، في وادي جر غالبا ما يعلق بالأذهان اسم الوادي الذي يمر من هناك، لكن لا أحد من عابري الطريق السيار، أو الطريق الوطني رقم 4 ينتبه إلى وجود تجمع سكاني بالقرب من الوادي. تبدو وادي جر من بعيد مجموعة من المساكن التي يغلب عليها الآجر الأحمر تتكوم على نفسها أسفل الجبل، إلى اليسار »نمت« بعض العمارات كعلامة دالة على التحول التدريجي من الريف إلى المدينة. لكن وادي جر تظل قرية ريفية الطابع محاطة بالجبال والغابات والحقول، وبداخلها تتناثر أحياء لا تتفق على هيئة واحدة، تقوم متدرجة من الأسفل إلى الأعلى، وتحاول الآن أن تتمدد من الجنوب إلى الشمال على نحو أفقي. يقول الشباب في وادي جر أن فرص الحياة قليلة، فلا سكن ولا شغل، البطالة أمر بديهي ومصير معظم شباب البلدية المتعلم منه وغير المتعلم، فلا مجالات تشغيل بإمكانها امتصاص الأعداد الهائلة من البطالين، مؤسسة التشغيل الوحيدة، وهي المدجنة، توشك أن تغلق أبوابها بعدما سرحت معظم عمالها ولم يبق بها غير القليل. رئيس البلدية، وبكل تحسر، قال إن تلك المؤسسة كانت تخفّف عن شباب البلدية بعض الشيء بتشغيلها لنحو 200 شخص من وادي جر. العمل الزراعي أيضا محدود هناك، فقليل من الشباب تمكن من الحصول على عمل موسمي عند بعض الفلاحين خارج وادي جر، والقلة القليلة تحصّلت على مساعدات من الدولة لتربية النحل أو المواشي والأبقار. على الرغم من الطابع الريفي للمنطقة، فإن الكثير من سكان وادي جر يشكون من عدم تلقي أية مساعدة من الدولة، سواء في مجال الفلاحة أو السكن، ففي وسط البلدية لا تزال البيوت القديمة التي بنيت في العهد الاستعماري قائمة، بعضها أزيل وعوض ببنايات جديدة، لكن البعض الآخر لم يزل، كما هو حال بيت السيدة شيكر التي تقول إن الدولة رفضت منحها مساعدة لإعادة بناء بيتها القديم المهترئ المتكون من غرفتين مغطاتين بسقف خشبي متآكل، وهي لا تدري السبب الذي يقف وراء حرمانها هي واستفادة غيرها... حملنا هذا الانشغال إلى رئيس البلدية فكان رده أن الأمر يتعلق بعقود الملكية، فالعائلات التي لم تستفد من الإعانات لا تملك عقود ملكية، والمشكل أعمق من ذلك، فتلك المساكن التي يفترض أنها تابعة للبلدية ليست مشمولة بعملية مسح الأراضي، ولكي تسوى وضعيتها يتعين على مديرية أملاك الدولة التنازل عنها لفائدة البلدية، ثم تقوم البلدية بتحرير عقود ملكيتها لها ومن ثم تحرر عقودا لفائدة شاغليها. وفي أعالي وادي جر ينتظر سكان 54 مسكنا من نوع »آر آش بي« الغاز الطبيعي. العقار... رهن المنطقة والطريق السيار امتص فرص الشغل تواجه بلدية وادي جر معضلة العقار الموجه للبناء، حيث تعجز حاليا عن إيجاد مساحة يمكن تخصيصها لإنجاز 80 مسكنا ريفيا، كل ما توفر من العقار لن يتسع لأكثر من 17 مسكنا، ومصير البقية مرهون بالموافقة على المخطط الجديد المقترح والذي يحتوي على 130 هكتار في أحد التجمعات السكنية و14 هكتارا في مركز البلدية. ويجري حاليا إنجاز 160 مسكن اجتماعي تكاد الأشغال تنتهي من 65 منها. أما المحلات ذات الطابع المهني فقد خصّصت لوادي جر 42 محلا، أنجزت منها 22 ووزع 11 محلا لأصحاب المهن، والمشكلة هنا عدم وجود طلبات عليها من داخل البلدية. الأمر الذي قد يؤدي إلى طلب تحويلها إلى محلات تجارية. ويمثل حي الحشم التابع لبلدية وادي جر نموذجا حقيقيا للنسيان، فالحياة هناك شبه بدائية لولا وجود بعض المرافق كالكهرباء وقاعة العلاج التي قال لنا شباب الحي إن الطبيب لا يأتيها إلا يومي السبت والأربعاء. لا أثر للسلطات في هذا الحي ولا بصمة تدل عليها، الطرقات غير معبدة منذ أن وجد الحي قبل عقود وأعمدة الكهرباء بلا إنارة، الظلام يطبق على الحي، والبطالة متفشية وغياب المرافق التي يتوق إليها الشباب والمراهقون وهي الملاعب ودور الشباب. قال شابان صادفناهما هناك إنهما، كغيرهما من أبناء الحشم يقضيان الوقت في فراغ قاتل، في أحسن الأحوال يستيقظون صباحا ويمتطون إحدى وسائل النقل المتّجهة إلى العفرون، حيث يمضون اليوم كله، ويعودون مساء إلى ديارهم ليناموا. كان الطريق الوطني يوفر لهم بعض فرص العمل التجاري بوجود المطاعم وبيع الفواكه على قارعة الطريق، لكن مع تحويل حركة المرور إلى الطريق السيار لم يعد ممكنا أي نشاط تجاري هناك، لقد أغلق العديد من المطاعم والمقاهي، واستسلم أهل الحشم إلى قدرهم في انتظار تغير الأحوال. ويقول رئيس البلدية إنه سوف يتم إدخال الغاز الطبيعي لسكان الحشم قريبا، أما أشغال تعبيد الطرقات فهي مقرّرة انطلاقا من شهر جوان على أبعد تقدير، بعدما تم مؤخرا الموافقة على المناقصات المقدمة إلى البلدية.