ق· حنان تزايدت وبشكل ملفت للانتباه المسابقات ذات الجوائز المالية الهامة التي تعرضها العشرات من القنوات والفضائيات العربية، حتى أن بعضها وصل إلى عرض جوائز بمئات الملايين من الدولار الأمريكي أو الريال السعودي، وسواء كانت هذه الجوائز الهامة، تقتضي المشاركة في واحد من البرامج المتخصصة التي تعرضها القناة، أو لا يتطلب إلا إرسال رسالة قصيرة، أو الاتصال واختيار الإجابة الصحيحة، فإنه يجتذب عددا كبيرا من المشاهدين من مختلف الأقطار العربية ومن بينها الجزائر، لاسيما بعد مشاركة عدد غير قليل من الجزائريين، في بعض هذه البرامج، كبرنامج "لحظة الحقيقة": الذي يعرض على قناة الأم بي سي 4، ليلة الجمعة، أو برنامج "للزمن ثمن"، حيث ربحت إحدى المشاركات الجزائريات في البرنامج الأول مبلغا ماليا هاما، تجاوز ال600 مليون سنتيم، مع أنه تطلب الغوص في أدق خصوصيات وتفاصيل حياتها الشخصية، ما فتح شهية الآخرين، لتجريب حظوظهم· وبالنظر إلى عدد من المسابقات التي تعرضها نفس القناة كبرنامج "الحلم" مثلا، الذي يعرض مبلغا ماليا للربح يقدر ب3 ملايين ريال سعودي، وهو مبلغ إذا ما حول إلى العملة الوطنية، يصير مبلغا هاما للغاية، فإن ذلك أسال لعاب الكثير من المواطنين، الذين راحوا يبحثون عن السبل الكفيلة بالمشاركة، حتى وإن اقتضى ذلك شرف المحاولة فقط، ولا يقتصر الأمر على هذه القناة العربية فحسب، وإنما نجد نفس عروض الملايين في عدة قنوات أخرى، بعضها تطرح أسئلة بسيطة للغاية إن لم تدرج في خانة السخيفة والغبية، في مقابل جوائز مالية هامة ومغرية، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل عن حقيقة تلك البرامج والجوائز، وإن كان كثير من الجزائريين لا يبالون بها، فإن ذلك لا ينفي وجود نسبة ممن يتابعون الفضائيات على مدار اليوم، خصوصا من السيدات و الفتيات الماكثات بالبيوت، خصوصا وأن الأمر لا يتطلب إلا الاتصال الهاتفي، أو إرسال رسالة قصيرة، تتضمن الإجابة الصحيحة، ورمز البلد الذي يتم إعلانه أسفل الشاشة، وهنا بالنسبة لمن قد لا يدركون ذلك مكمن الموضوع، وجوهره، حيث أن تلك الفضائيات تلعب على الرصيد الهاتفي للشخص، وتستنزفه، ومع تكرار المحاولة، يصيب الشخص ما يشبه الإدمان· تقول إحدى السيدات من العاصمة، التي جذبتها مسابقة ذات جائزة مالية هامة للغاية، إنها تابعت نفس المسابقة، منذ نحو أربع سنوات، وكانت في كل مرة تقاوم تلك الرغبة في المشاركة، وإن كانت متيقنة نوعا ما أن في الأمر لعبة، كونها لا تثق بتلك المسابقات كثيرا، إنما لم تستطع التحكم في فضولها، فقررت المشاركة، ولكنها تفاجأت أنه وعلى عكس بقية الدول، التي لا يتطلب الأمر إلا إرسال رسالة نصية قصيرة، فإن بالنسبة للجزائر على الراغبين بالمشاركة الاتصال على رقمين هاتفيين، وهو بالفعل ما قامت به، واعتقدت أن الأمر قد لا يكلفها إلا بضعة دنانير للاتصال، ولذلك قامت بتعبئة 100 دج، إنما قالت إن ذلك لم يكف حتى لإجراء رنة، فأعادت تعبئة 100 دج أخرى، لتتلقى نفس الرد "إن رصيد حسابكم غير كاف لإجراء هذه المكالمة"، فعادت لتعبئة 100 دج أخرى، لتتلقى من جديد نفس الرد أيضا، وهنالك فقط لم تشأ المجازفة بتعبئة مبلغ آخر، وتيقنت أن الأمر أشبه باحتيال، ورأت نفسها تتحول إلى شبه مقامرة، ما دفعها إلى التراجع· ويقول بعض المتتبعين، إن مسابقات الفضائيات العربية التي تعرض حاليا لا تنشِّط إنتاجًا ولا تُوجد فرصة عمل، ولا تحقق سوى إشغال مرفق حيوي هو مرفق الاتصالات في أمور تافهة قد تؤثر بالسلب على إمكانية استخدام المرفق في الأمور الأصلية له، أضف إلى ذلك تضييع وقت الأفراد في ما لا طائل منه، إضافة إلى ما فيها من مقامرة، خاصة أنها غير مرتبطة بتسويق سلعة معينة، كما أن هناك عنصرا آخر إلى جانب عنصر المقامرة وهو عنصر الاستغلال والتربح، حيث يستغل منظمو هذه المسابقات سذاجة بعض الأفراد وطمعهم في المال وتطلعهم إلى الثراء السريع ولو من مصدر حرام لتحقيق أرباح طائلة، فالأموال التي يدفعها الأفراد ثمنًا لاتصالاتهم الهاتفية من أجل المسابقة تحصل شركة الاتصالات على 35% منها، في حين يحصل منظمو المسابقة على 65%، وهذه النسبة الأخيرة يتم إتلاف جزء كبير منها في إعداد استوديوهات فاخرة لتصوير المسابقة، ولبثِّها على المشاهدين، وللحملة الدعائية لها في مختلف القنوات، ويتم رصد جزء من هذه النسبة لمن يفوز· ووصف كثير من علماء الدين بعض المسابقات التي تجريها القنوات الفضائية بهدف تحصيل المال من خلال اتصالات المشاهدين بأنها نوع من المقامرة، ومحاولة لاستنزاف أموال المسلمين، وأنها تنطوي على مخالفات شرعية محذرين كافة المشاهدين من الانسياق وراءها والانخداع بمحاولة الكسب السريع·