جلس الشاب يستريح قليلاً من مشقة السفر.. نظر أمامه.. فرأى الناس يسقون أنعامهم فوجاً بعد فوج .. وإذا في مكان قصيْ تقف فتاتان معهما غُنيمات عطشى تجاهدان في أبعادها عن مكان السقيا خوفاً من أن تضايق أغنام الرعاة فيتعرضن للنهر والسب.... لم يستطع شابنا الحر الذي رضع الكرامة وتعود على العزة والشمم لم يستطع السكوت على منظر كهذا فهبّ _ رغم تعبه _ ليساعد الضعيف ويعين المحتاج.. (فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير) . عادت الفتاتان إلى أبيهما فأخبرتاه الخبر فكان أن طلب رؤية هذا الشاب المبارك.. وحين دلف الفتى إلى بيت الشيخ وحادثه ملياً وشكا إليه ما مر به من أحداث عصيبة أعجب الشيخ به وتمنى ألا يفارقه أبداً.. وبناءً على رأي سديد من إحدى ابنتيه عرض عليه أن يزوجه إحداهما على أن يعمل في رعي أغنامه.. فيضمن بقائه عنده وعندها وافق الشاب الصالح.. طبعاً كلنا علم من هو الشاب في هذه القصة ؟ إنه نبينا الحبيب موسى عليه الصلاة والسلام.. وحين نسلط الضوء على هذا المشهد نتساءل : هل كانت هذه الفتاة التي حظيت بالزواج من هذا الرسول المبارك تتوقع هذا الزواج ؟ أو حتى خطر على قلبها ذلك ؟ وكيف كان قدرها السعيد حيث ساق الله هذا النبي من بلده البعيد مصر فقطع الفيافي والقفار ليتزوجها في مدين !! عجيبة والله هذه القصة..! يُطارد نبي ويُخرج من بلده فاراً بدينه فيأتي هذه البلدة ليتزوج من فتاة لم يعلم بوجودها في هذا العالم _ حتى سيره الله لها ؟! ماذا عملت هذه الفتاة المؤمنة حتى زوجها الله بالنبي الصالح؟! أنه رزقها الذي كتبه الله لها.. آتيها لا محالة..!! هل تشك في أن الله الرزاق.. إذا كتب لعبده الرزق وإن كانت حبة خردل في بطن صخرة في أعماق البحر يفلقها لتخرج له؟!! هل استشعرت قوله تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً * ويرزقه من حيث لا يحتسب * ومن يتوكل على الله فهو حسبه * إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً) . فتاتي : لو أدركت معاني الآيات وفهمت ما توحيه هذه القصص لارتاح قلبك وصفت نفسك وزال همك وذهبت أحزانك وطابت أيامك.. لا تفكري في المستقبل فالله هو الرازق...! توكلي على الله وفوضي أمرك إليه.. وثقي أن ما كتبه الله لك ستراه عيناك إن عاجلاً أو آجلاً.. وادعي الله بالرزق الطيب فإنه سميع مجيب رحيم.. وكما رزقها الله وسير لها رزقها من بلد إلى بلد وكتب لها هذا الرزق المبارك فسيرزقك بمن لم يخطر بقلبك ومن حيث لم تحتسبي.. فقط نفذي الشرط وسترين النتيجة بإذن الله ((ومن يتق الله يجعل له مخرجاً * ويرزقه من حيث لا يحتسب * ومن يتوكل على الله فهو حسبه)